ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
امتلأت «السقيفة» في رأس كل منا حتى آخرها .. اختنقت ببقايانا ومستورداتنا المتراكمة من خردة الفكر ومصطلحاته، ومن التسميات والتوصيفات مدسوسة أو منحوتة أو مخترعة،
ومن الأسماء والرموز المستهلكة أو المستجدة، بعض البقايا منها معطوبة من الداخل لا خير فيها رغم مظهرها اللامع، وبعضها الآخر في نصف عمره أو يكاد ومتروك لحاجة طارئة وماسة, وبعضها الثالث يعمل لو احتجنا استعماله.. لكننا رميناه على السقيفة يوم كنا في رغد من عيش وكفاية من صراع.
ولأن من لا يرمي عتيقا ميتا يعجز عن اقتناء جديد حي، ولأن الشك شرط اليقين على طريقة ديكارت .. فإن خمسة عشر شهرا من الشك دون اليقين، ومن الدم والرصاص والخراب دون الحوار، باتت كافية كي نفتح أبواب «السقيفة» ونبدأ فرز ما تجمع واغبر وانعزل فيها.. وثمة غربال واحد للفرز والإعراب اسمه سورية!
ومثل كل الغرابيل والمصافي الجيدة الصنع والأداء، ينبغي للغربال السوري أن يكون مدور الحواف لا زوايا فيه ولا أضلاع، مشدود من كل الجهات وتتساوى فيه الثقوب فلا تمرر حبة دون أخرى، ولا تحتفظ بواحدة وتسقط الثانية.. غربال يدور بكل موجودات سقيفتنا الدماغية، يفرز ما تراكم فيها بين سوري ولا سوري .. وبين وطني ولا وطني، بالمواطنة والأداء وصدق الانتماء.. لا بسجلات المواليد والنفوس والواقعات.
يستحق السوريون غربالاً يغربل نفوسهم لتسقط منها كل الأطياف الفاسدة الممتدة بين رؤوسهم وجيوبهم .. فثمة الكثير من باعة الضمير أو الوطن على حد سواء، ومن كل أشكال اللاعدالة والظلم وكل أنواع التغييب والتهميش والإقصاء وكل التصانيف الطائفية والقبلية والعائلية.
يستحق السوريون غربالا يغربل ما تراكم في رؤوسهم من أدران التكفير والتغليب والتحريض, فإما أن يكون السوري نظيفا طاهرا من كل أنواع وأشكال الخردة الدينية والسياسية .. محلية الصنع أو مستوردة، أو لا يكون سوريا على الإطلاق!
آن أوان تنظيف السقيفة في الرأس السوري.. وآن أوان الغربال يهز بعنف كل ما أودعناه فيها مما نريد ونحتاج ومما لا نريد ولا نحتاج، فليس ثمة متسع من مكان فيها لمزيد من العفن وصفرة السنين المتقادمة.. وليس ثمة متسع من وقت أمامها كي تنظف ذاتها!
سورية بستاننا وحديقتنا ورئتنا يتردد فيها هواؤنا جميعا بين شهيق وزفير، فإما السياج الوطني المتين العالي يسورها ويحميها، وإما فالخنازير تتهيأ لتطأ أرضها!