ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
كمن يبحث عن تبرير أو تسويغ لمن أسقط في يدهم بعد طول أحلام وتخيلات، يدرج أحدهم أقوالاً شهيرة موثقة على موقع إلكتروني لـ«أعلام مثقفين» من المعارضين السوريين،
ومما يراه من المفارقة الصارخة بين تلك الأقوال وبين ما وصلت إليه الأمور مؤخراً، في ما اصطلح على تسميته الأزمة في سورية، يستفيد في نعتهم بالغباء السياسي كما قال.. حتى لكأن الأمر متعلق فحسب بمن كان من بينهم ذكياً ومن كان غبياً!
مثل هذا المثال العابر والبسيط لثلة تنطعت مقدمة قيادة حراك أعمى قاد سورية إلى ما هي فيه اليوم، يدفع إلى استئناف نقاش طالما كان حاراً ومتصلاً حول المقدمات الأولى المفترضة لأي «ثورة» بوصفها تجربة اجتماعية أولاً، وحول النتائج المتوقعة لهذه التجربة مع الأخذ بعين الاعتبار أنها ليست تجربة كيميائية تجري في مختبر مغلق تتحدد فيه المواد الداخلة إلى التفاعل بدقة وحسبان… مثلما تتحدد فيه المؤثرات الخارجية والمحيطة.
بالطبع، ليس للأغبياء أن يقودوا ثورة ولا أن يكونوا ثواراً في أي زمان ومكان، ولكن ماذا عن الأذكياء في هذا السياق.. وما الذي ينبغي أن يعنيه الذكاء هنا؟
الثورة عملية تغيير اجتماعي اقتصادي جذرية.. تقدمية بالضرورة وحداثية بضرورة أكبر، وإسقاط النظام السياسي القائم قطبة واحدة في نسيجها المترامي، بمعنى أن قراءة ما بعد النظام هو ميدان الثورة والتغيير الحقيقيين.. وإلا فالقارئ ثأري أعمى والمستمعون قطعان من العمي البكم والثورة ليست ثورة!
في الكيمياء، لا بد للمكونات الخارجة من التفاعل الكيميائي أن تكون هي ذاتها المكونات الداخلة فيه وقد جرت عليها تغيرات فيزيائية فحسب، تتصل بالشكل واللون والرائحة. ولأن الناس ليسوا مكونات صلبة أو سائلة أو غازية.. ولأنهم ليسوا أصناماً دون عاطفة أو رأي أو مزاج، فإنه يفترض بمن يقودهم إلى مختبر تجربة اجتماعية كالثورة، أن يكون قارئاً جامعاً ملماً حاذقاً لما هم عليه من الأهلية والدافع والإرادة.. قبل زجهم في مدخل التجربة وانتظار ما سيكونون عليه عند مخرجها!!
هل قرأ مثقفو «الثورة» ومن تنطعوا لقيادة الناس إليها في سورية المكونات الإنسانية الداخلة إلى تجربة التغيير الثوري.. قبل انتظارها عند مخارج التجربة، من حيث ضرورات التغيير وإرادة التغيير واتجاهه وأهلية المتغيرين؟
بالطبع، هو نقاش طويل ومرير لا يكفيه عمود رأي في جريدة ولا ألف عمود، بيد أنني أجزم أن قارئاً فكرياً تاريخياً محايداً لمثقفي « الثورة» في سورية ومن تنطع لقيادتها، سيكتشف.. وحتى من دون خمس سنوات من الدم والخراب، أن هؤلاء أميون جهلة ومتخلفون بمعاني حركة التاريخ وعلوم الاجتماع والفكر السياسي وأدبياته المتراكمة.. ولو حملوا أقلاماً وشهادات وربطات عنق!
ليس لمثقفي الثورات وطلائعها أن يكونوا أنبياء، أجل.. ولا أن يكونوا جهلة أغبياء أيضاً؟