ثورة أون لاين:
يتضمن كتاب درب حلب للدكتور نضال الصالح الذي صدر مؤخرا مجموعة من النصوص الأدبية التي تتناول الخارطة المعرفية والثقافية السورية بالنقد والتحليل الممنهج بتشكيل فني إبداعي تكاثفت فيه جماليات اللغة الأدبية بالتعبير والتصوير والعاطفة الصادقة في فقه واع لمحاولات هدم المنظومة الفكرية والحضارية وضد الهجمات الرامية لقصف العقل بالفكر الظلامي.
وتحت عنوان “والقلم و ما”.. يكرس الدكتور الصالح الخطاب الإلهي المعلي للعقول النيرة التي فطرها الله على الجمال لتبدع ألوانه والمعرفة اللامتناهية فالرقي الإنساني لا يكتمل إلا بارتقاء كليته جسدا وروحا ونفسا وعقلا منفتحا متدبرا متزنا.
يفرق الدكتور الصالح بين القلم الهادم وفكره السطحي وما ينتجه من تشوهات سلوكية وثقافية تأخذ به إلى منهج التطرف والعنف والإرهاب والقلم القويم البناء بفكره الوضاء وما أثمره من أدب وفن وفكر وثقافة إنسانية ورواده عبر التاريخ السوري العريق كالمتنبي والبحتري وأبي تمام ويوسف العظمة وصالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط إلى عمر أبو ريشة ونزار قباني وفاتح المدرس ليدعو الصالح إلى الحفاظ على هذا التاريخ الثري من العابثين والمارقين غير المنتمين والملوثين بالأوهام والمال والتبعية الخارجية.
في نصه صلاة للعام الجديد كتب الصالح بأسلوب أدبي على منوال الصلوات لروح وعقيدة واحدة لجسد سوري واحد تدعو الى المحبة والسلام والأمان لتبقى سورية مشرعة أبوابها للحالمين وللأطفال وللأغنيات وللكلمات النيرات وهذا ما تجلى في قوله: “رب لي امل وسع الخليقة في غد باذخ الضوء غد لا ريب فيه ندى للحالمين غد ملء كوثره جنان من بياض الياسمين غد كالجلنار إذ يصلي للمواعيد الحكايا في أكف العاشقين”.
ويقدم الكاتب عبر جليل الصالح تشخيصا مكونا لبنيته الفكرية والثقافية عبر تجربة حياتية يحاكي فيها التحولات السلبية في مكاشفات أثار فيها إشكالات معرفية وأخلاقية في سرد حكائي ضمنه إجابات تعبد طريق المكاشفة للتطهر من الآثام في حق الوطن وإنسانه لتكون منطلقات الإجابة وبداية الخلاص في الانتصار للحق والانتماء للوطن وشهدائه الأبرار كما قال جليله في نصه تقول الحكاية: “أمر الحق .. أمر الحقيقة .. أمر الخير.. أمر العدل .. أمر الدم الذي سفح باسمه وعلى اسمه زورا وبهتانا وزيفا .. أمر الشهداء .. أمر الأيامى .. أمر الثكالى .. أمر الأرض .. أمر التاريخ .. ما من قبح مهما استبد يتأبد ما من مال مهما ربا يشتري كل شيء”.
يستقرىء الصالح في نصه قالت لي الأرض المستقبل الآتي ينهمر جودا ربيعه يحمل دفء الانتماء للوطن لأبنائه المخلصين والمؤمنين به فالإنسانية رسالة السوري الحقيقي المتجذر بترابه الوطني وثقافته وأصالته فيقول الصالح: ولم يكن حلما , لم يكن أرعدت السماء ثم كان جود ثم من غير مكان تدفق النشيد سيأتي , لا بد سيأتي ذات مدينتين , أو بلدتين او قريتين ستزلزل هذه المدن ولزالها وستخرج هذه البلاد أثقالها وسيسأل الجاحدون بها ما لها ويومئذ ستحدث أخبارها عن ضباع وعن ذئاب عاثت فيها خرابا.
ويوضح الدكتور نبيل طعمة في المقدمة التي كتبها كناشر لكتاب الصالح درب حلب أن الكلمة سلاح ندافع به عن الأوطان وأن نصوص هذا الكتاب رسالة نهوض وكبرياء تقودنا من حلب إلى دمشق وأمهات الحواضر السورية.
وعن رأيه في الكتاب قال الشاعر والناقد رضوان هلال فلاحة إن “الكتاب كتلة أدبية محملة بفكر وثقافة كمية ونوعية لسيرورة ذات وطنية وصيرورة إبداع خلاق لغتها التعبيرية والجمالية طيعة للحفر المعرفي الذي أعمل فيه الصالح العقل البحثي الجدلي ومهارة التوظيف الفني لشكل أدبي ليشكل تكوينا متفردا في الحقل الثقافي”.
أما الأديبة نبوغ أسعد فقالت “إن الكتاب فيه تداخل في الزمان والمكان وربط للقضايا الإنسانية والاجتماعية التي يصل بها الكاتب إلى فلسفة جديدة يرى خلالها كثيرا من الغرابة فيما وصل إليه إنسان الآن بعد أن كان خلاقا ومبدعا وعاليا في رؤاه وتحولاته كل هذه الأشياء جاءت عبر خبرة أدبية وموهبة قادرة”.
في درب حلب الكتاب الصادر عن دار الشرق للطبع والتوزيع يظهر حب حلب كبيرا في عواطف مؤلف الكتاب ولا يتجزأ حب هذه المدينة عن حب أهلها وناسها فهي جزء من وطن يراه الكاتب أغلى ما في الكون لهذا ظهرت براعته الأدبية في البنية التكوينية للنصوص وتجلت رؤاه الفلسفية التي تمكن من مد أواصرها مع تطلعاته الأدبية فالكتاب مزيج من أدب وفلسفة وشعور حتى ذهب إلى نتيجته عبر توازن موضوعي تمكن برغم صعوبة ما ذهب إليه من أدائه بقوة الموهبة وثقافة الخيال والعاطفة الوطنية والسعة الفلسفية.
يذكر أن الدكتور نضال الصالح يحمل دكتوراة في النقد الأدبي الحديث وهو أستاذ النقد الأدبي في جامعة دمشق وشغل مناصب عديدة منها معاون وزير الثقافة ومدير معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في سورية وحصل على عدد من الجوائز داخل سورية وخارجها.
أشرف على الملتقيات الأدبية ونشاطاتها في جامعة حلب منذ منتصف الثمانينات ويشغل الآن رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ومن مؤلفاته في القصة الأفعال الناقصة وطائر الجهات المخاتلة وفي الرواية جمر الموتى وفي النقد النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة والمغامرة الثانية دراسات في الرواية العربية ومؤلفات أخرى وصلت إلى أربعة عشر كتابا إضافة إلى ما كتبه في الصحف والدوريات.
محمد خالد الخضر
المصدر: سانا