ثورة أون لاين:
تصنف رواية الضباب للأديب الاسباني ميغيل دي أونامونو ضمن لائحة أفضل 100 رواية بالإسبانية في القرن العشرين والتي اعتبرت حسب موءلفها جنسا أدبيا جديدا أطلق عليه الرواية الضبابية.
وفي الترجمة العربية للرواية رأى مترجمها جعفر العلوني أن أونامونو شخصية فذة في فكرها لا يمكن أن يندرج تحت أي مذهب من المذاهب الفلسفية أو الفكرية العامة وأكثر ما يبغضه هو أن يضعه الناس تحت وصف عام من أوصاف أهل الكتابة فلا هو فيلسوف لأن افكاره لا ترقى إلى درجة تكوين مذهب فلسفي بالمعنى الدقيق لهذا اللفظ ولا هو قاص لأن قصصه تتجاوز قواعد القصة التقليدية ولا هو شاعر ولا مسرحي ولا سياسي بالرغم من أنه كتب جميع هذه الأنواع الأدبية مستشهدا بقول أونامونو.. لا أريد أن يضعني الناس في خانة لأني نوع فريد شأني شأن أي إنسان آخر يسعى إلى الشمول الكامل بذاته.
ورواية الضباب التي كتبها عام 1914م هي وسيلة ليعبر فيها عن فكرة مفادها ان الشخصية الروائية لها حياة تماما مثل الإنسان فالشخصية الروائية هي كائن خيالي حلم به الكاتب كما أن الرواية محاولة منه لتجديد التقنيات الروائية التقليدية لذلك سيلاحظ القارئ أن الرواية تكاد تقتصر فقط على الحوارات في حين أن وصف الأشخاص والأماكن يكاد ينعدم فهي إذا ليست رواية بالمعنى الرسمي للكلمة ولهذا أطلق عليها اسم نيبولا والتي تعني الرواية الضبابية.
يطرح أونامونو من خلال رواية الضباب مشكلة حرية الفرد الذي يتعرض للخيانة ثم يعمل الخيال في تكوين أحداث الشخصية والرواية والتي تدور بمسار صراع الشخصية الرئيسية /أوغوستو/ وتأملاته التي تنزع إلى فلسفة الفكرة وتداعيات مشاعره الإنسانية حيث يعيش حالة من الفراغ العاطفي التي تأجج من دافع بحثه عن المرأة الحبيبة ومن ثم صراعه الخارجي مع الشخصيات الرئيسية والثانوية في قفزات درامية يفرضها الحوار بين الشخصيات وليس تتابع الحدث كخط فني ينتهجه الكاتب.
وعندما تدخل شخصية عازفة البيانو /إيوخينيا/ عالم أوغوستو الحالم يجد فيها ضالته وملاذه الوجداني لتأخذ الحبكة تشعبات تشكل عوائق تحيل دون أوغوستو في الوصل إليها.
ويترك الكاتب للمصادفة دورا في لقاء أوغوستو مع إيوخينيا رغم اتجاهه إلى حبك تداخل طبيعي في اتجاه أوغوستو للبحث المباشر عنها فيدخل بيت إيوخينيا ويتعرف على عائلتها عمها /فيرمن/ ذو الأفكار التي تتجه إلى /الفوضوية الصوفية/ وهي نظرية سياسية تنادي بإقامة مجتمع مرتكز على التعاون الطوعي بين الأفراد والجماعات دون ان يورد الكاتب أي تحليل لهذه النظرية أو علاقتها مع النظريات الأخرى في المجتمع الاسباني كما يتطرق لزوجة فيرمن الطيبة التي رأت في أوغوستو زوجا مناسبا لإيوخينيا.
تسيطر على أوغوستو مشاعر الوله والعشق الذي يذهب إلى اشد حالاته ليزداد أكثر بعد معرفته بوجود عشيق لأوخينيا مما يحفز إصراره على إثبات وجوده في حياتها ليتجه الصراع مرة أخرى إلى ذات أوغوستو بعد صدمته العاطفية مفجرة سيالات من الأفكار الفلسفية للحب والمرأة مع رغبة المعرفة التي تخرجه من حالة القلق المعرفي الذي يحاول تغذيته بالإيمان تارة وبالفكر تارة وبالتمرد والرفض تارة أخرى إلا أن الألم يعيده إلى نكوصه وتقوقعه على ذاته وبعد الاستقرار الموءقت لهيجان نفسه وروحه تتأجج محرقة وجدانه في جدليات الموت والحياة الطبيعة والنفس وصدامها مع الآخر وهي المرأة الحبيبة بكل تجلياته.
تنتهي الرواية إلى حوار بين أوغوستو والروائي أونامونو مداره الخيال والواقع في دائرة الوجود واللاوجود ثم يموت أوغوستو إلا أن موته ليس نهاية طبيعية إنما غياب حدثي لشخصية أراد الكاتب أن يجعلها أكثر حقيقية من كونها فكرة.
يشار إلى أن رواية الضباب صدرت موءخرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب وتقع في 237 صفحة من القطع المتوسط.
المصدر- سانا