على حواف الوجع العربي

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
وسط هذا الركام من الهمّ العربي، الذي يمد أصابعه إقليمياً ودولياً، مرّت ذكرى الوحدة السورية المصرية من دون ضجيج، بعد أن خفَتَ حضورها أو تلاشى في ذاكرة أتخمتها الأوجاع والأحزان والآلام بشقيها: العروبي التائه بهويته، والذاتي المتلطي بوجوه محلية، استعارت أثوابها واستدانت ثمن طربوشها من وجودها وسيادتها وقرارها.

الحديث عنها لن يجد موضعاً ولا موقع قدم يمكن الاتكاء عليه لإعادة التذكير بها، لكنها تصلُح لتكون نموذجاً معاصراً لكثير من المسلّمات التي خرجت من التداول، وباتت حالة متطفلة وأحياناً مكلفة وضاغطة على الوضع العربي، الذي أشهر الأعراب سكاكين الطعن فيه ومن الظهر، بعد ان يئسوا من المواجهة المباشرة، وغرفوا تحت عناوين ذلك الطعن أقصى ما استطاعوا، وبما ملكت أيمانهم من مصطلحات الغدر والخيانة، إلى حدود لم تكن المصطلحات العربية تجرؤ على التلفظ بها حتى في غرفها المغلقة، أو جلساتها الخاصة المتخمة بالنميمة على العروبة والقومية.‏

فاللغة القومية المتخشبة -كما كان يحلو للبعض توصيفها- والتي تحولت بالتدريج عنواناً للشتيمة على مدى عقود خلت، باتت أمنية في زمن يضنّ بالأمنيات وتغلُب عليه التمنيات، وتحاكيه في أفضل الظروف فصول موجعة من العبث السياسي والفكري، وتغلّفه مشاهد الظلامية التي باتت سيلاً لا يتوقف، يأخذ معه كل ما راكمته الأمة تحت عناوين الكفاح الوطني والنضال القطري، وإن طغت عليه النرجسية والإعجاب بالذات، ويُطيح بكل ما أنجزه الفكر العربي والقومي في سنوات ربيعه وصيفه وحتى خريفه في ظلال من الشك بالذات والوجود والمصير والهوية، والأخطر أنها لم تعد مجردة من ذاتها فحسب، بل أيضاً من أي دلالة أو معنى في ظل موجة من التلوث الفكري والسياسي الممزوج بكثير من التطاول، وربما الاستطالة المَرَضية.‏

الفارق أن الذكرى التي كانت تمر بدائرة النسيان وسط انشغال متعمد أو غير متعمد بقضايا وهوامش جزئية وأحيانا قطرية بحتة، تبدو هذه المرة خارج التداول بحكم الأمر الواقع المزري، وحالة التشتت التي تضيف إلى حديث الهم القومي المزيد من العثرات والمخاوف، وأحياناً التشكيك بجدوى الوقوف على اطلال لم يبقَ منها ما يمكن للعين العربية أن تراه، وما يمكن للذاكرة العربية أن تستعيده، حيث تحول إلى مجرد أشلاء وبقايا نتف لا نكاد نلمسها بين تراكمات ما حوّلته الأحداث العاصفة إلى مجرد أثرٍ بعد عين.‏

والاختلاف أيضاً، أنّ الأعداء الذين عادوا ليشهروا عداءَهم باللبوس نفسه، وبالمعيار عينه، لا يكتفون بتعديل في المواصفات، بل هم مدججون بخرائط الأطماع ، ويلهثون لخطّ إحداثيات مشهد لا يتوقف عند حدود تغييب الذاكرة، أو حتى اقتلاعها وبعثرة ما تحطم منها بحكم الأمر الواقع، بل يريدونها أن تَزرع عنوة – وفي المكان ذاته- صورة مشوهة بديلة ونسخة مزورة، تزيد حالة الخلل وتفاقم النظرة السلبية إلى تجارب تقتفي اليوم الحد الأدنى من إمكانية الحديث ولو مواربة، حتى إن الإشارات الرديفة أو البديلة التي كانت تقدم محاكاتها بشكل موارب تغيب قسرياً ايضاً وبالاضطهاد ذاته.‏

بالتأكيد لا تحتاج المقاربة اليوم إلى قرائن وأدلة، وقد حفل الوضع العربي بما هو أكثر من الحاجة وبما فاض على قدرة الوعي العربي والمدى القومي على استيعابه، حيث الشتيمة باتت حالة يقظة تستبق ما يجري وتستوحي من مخاض الوجع العربي المزمن، ما يبدو خارج دائرة التخيّل، وتستنبط من الألم المحدق بحواف الأمة، كما هو في عمق وجودها ومصيرها، ما يكفي لرسم صورة بكائية لمشهد عربي، يبدو فيه الكثير من التشفّي بحال الأمة وما ينتظرها.‏

قد يكون من الصعب استدراج كل التفاصيل كي تطفو على سطح أي محاكاة من دون وعي ذاتي وطني يكون ركيزة لوعي أعمق يستنهض جذر الهم العربي ، لكن مما توافر يبدو جلياً حجم ما يعلق، وما قد يأتي لاحقاً أو مستقبلاً في ظلّ إيقاظ للفتن المتنقلة بنسخها الطائفية والعرقية والإقليمية ذات الطابع الفردي المتعفّن، مع فائض من التورّم المَرَضي لدى الأدوار الوظيفية، التي كانت وستبقى تجد في القومية أو ما يذكر بها حالة من العداء التي تحتاج إلى السحق وربما البتر، وأن تبقى على استعداد مستطير للمواجهة مع ما يمت إلى جسر التواصل بصلة.‏

لا تكفي حال الذكرى المزرية لإحصاء البكائيات، وليست الوحيدة التي ترثي حالها، بل تتماثل بها مع الحال العربي وعهودها الماضية وقواعد اشتباكها المتراكمة، حيث لا يُراد لمصر أن تكون في موقعها، كما لا يريدون لسورية ولا للعراق ولا حتى لفلسطين أن تكون في واجهة قضايا الأمة، بل هي المقصود، وهي الهدف الذي لم يتراجع الإسرائيلي عن اللعب على أوتارها طوال الوقت لتكون ضحية هذه الحال.‏

ما أحوجنا إلى الذكرى! ليس من باب التذكُّر، بل في المناخ والظرف والواقع والمصير والوجود، وأن نستعيد قنوات ما قبل الوحدة، وربما ما بعدها، للنبض من جديد، ليس لتعبيد الطريق نحو وحدة تبدو عصية على التخيّل، بل من أجل أن يبقى الزخم العربي -الذي قاد إليها يوماً حاضراً- تحت مظلة وعي وطني، يقود بالضرورة إلى الوعي القومي، ليكون منصة دفاع تقي – ما يمكنها إلى ذلك سبيلاً – من نتف الوجع التي تتشظّى غرباً وشرقاً .. شمالاً وجنوباً، ليعود النبض العربي بجذره الوطني خالياً من شوائب علقت به، ومن عدوى مَرَضية يكابد معها هموماً ومتاعب ومآزق تتجاوز هموم الذكرى وما يليها.‏

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة