ثورة اون لاين: تختلف الولايات المتحدة الامريكية عن غيرها من الدول في بنية وطبيعة التركيبة الاجتماعية والسياسية المشكلة لها ومن المهم تحليل تلك البنية للوصول الى اليات التفكير التي تحكم العقل السياسي الامريكي فالكل يعلم ان الولايات المتحطة الامريكية تشكلت من خلال تدفق ملايين المهاجرين او المرحلين اليها من قارات العالم نظرا لخصوبة اراضيها وتعدد مصادر الثروة فيها وكانت الموجات الاولى منهم مؤلفة من اصحاب رؤوس اموال وبارونات يبحثون عن استثمار رؤوس اموالهم تلتهم مجموعات من منفيين ومغامرين استوتهم اخبار من سبقوهم الى تلك القارة البكر وهنا كان لابد من عمالة يجري استثمارهافجاءت موجات الافارقة الذين سيقوا الى تلك الارض بوصفهم عبيدا يباعون في سوق النخاسة اعقبتهم هجرات جاءت من دول من جنوب شرق اسيا واعداد محدودة من دول الشرق الاوسط وايرلندا وشبه الجزيرة الايبرية .
ان روح المغامرة والبحث عن الثراء عبر التفوق او الالغاء هي التي حكمت عقلية اغلبية اولئك المهاجرين فكان لابد من ازاحة اصحاب الارض او القضاء عليهم وهم في هذه الحالة ملايين الهنود الحمر فشهدت الجغرافية الامريكية حملة ابادة غير مسبوقة في التاريخ كان ضحيتها سكان البلاد الاصليين وهنا تكرس مفهوم الثروة بالمغامرة ا والغاء الاخر واقصائه هذا المفهوم الذي شكل الى حد بعيد الاطار الذي تحركت فيه السياسة الامريكية منذ ذلك التاريخ وحتى الان .
لقد وجد العقل السياسي الامريكي نفسه امام اشكالية تتعلق بالهوية على قاعدة ان لا قاسم مشترك بين سكان تلك الارض الا الرغبة بالعيش المشترك على قاعدة المصلحة الاقتصادية وهذا لا يتحقق الامن خلال اشاعة مفهوم الامن والطمأنينة الجماعية التي تفسح في المجال جلب المزيد من الثروة والاستثمار والرفاه الاقتصادي وهنا اصبحت حالة الشعور بالخطر الخارجي عاملا مهما في حشد الرأي العام وتعبئته بمراجهته واستخدام القوة المفرطة لابعاده والسعي للقضاء عليه دونما عناء البحث عن مسوغات شرعية او صدقية ذلك من عدمه .
لقد استطاعت الامبراطورية الامريكية الوليدة وتحت عنوان انها مملكة الفرصة المتساوية بعيدا عن اللون السياسي او الوطني والديني ان تستقطب ملايين الكفاءات من دول العالم من علماء وباحثين واصحاب رؤوس اموال تماما كما استقطبت غيرهم من الباحثين عن الحرية والفارين من اشكال العسف والظلم والاستغلال الذين عاشوا على نفس الارض تماما كما عاش قراصنة البحار الاذكياء الذين جنوا ثرواتهم من قراصنة جمعوا ثرواتهم ممن هم اقل مغامرة وجسارة في تعقب سفن الملاحة القادمة من غرب القارة الافريقية وشماليها .
لقد كرس المغامرون الاوائل مجموعة من القيم في المجتمع الامريكي الناشئ والتي لا تشبه غيرها منها على سبيل المثال ان النجاح في كسب الثروة له قوة القانون وان المساواة لا تحقق العدالة التي تتمثل فقط في منح الفرصة فقط دون احتضان الا من يمتلك امكانات وعناصر النجاح والقدرة على الابداع والتميز وهنا حل في سلم القيم الامريكية اصحاب رؤوس الاموال والعقول المبدعة الذين يقابلهم بارونات اوروبا وامراء الشرق ولم تجد مفاهيم مثل التاريخ المشترك والاصل والقومية والوطنية مكانة لها في القاموس السياسي والثقافي الامريكي .
ان اكثر ما يزعج العقل السياسي الامريكي ويثير حفيظته الحديث عن الماضي ووحدة الارض والشعب والقيم المشتركة لان لا شيء من ذلك في ذاكرته الجماعية ومن هنا يمكننا فهم وادراك الاسباب الجوهرية لاطروحة المنظر الامريكي ذائع الصيت فرانسيس فوكوياما نهاية التاريخ الذي اراد من خلالها الغاء تاريخ شعوب العالم وتدشين تاريخ امريكي يفترض بشعوب المعمورة ضبط ايقاع حركتها وسيرورتها على احداثياته .
ان لا شيئ يقلق راسمي الاستراتيجيات المستقبلية الامريكية من الاحساس بالتفوق وانتزاع قصب السبق منهم اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا لان في ذلك الاستئثار بالثروات ومصادرها والاسواق وحركتهاوعلى الرغم من ان مساهمة الولايات المتحدة الامريكية في اقتصاديات العالم تزيد على ١٩٪وهو ما يعادل انتاج كل من اوروبا والصين اضافة الى ان موازنتها العسكرية تعادل نصف موازنة كل دول العالم اي حوالي ٧٦٠ مليار دولار امريكي ناهيك عن تفوقها في المجال العلمي على اليابان وغيرها من دول العالم المتفوقة في هذا المجال الا ان الولايات المتحدة تسعى لاستمرار تفوقها في كافة المجالات وهي تحاول ان تحافظ على ذلك مستخدمة كل الاساليب والطرق والوسائل .
لقد اثبتت دروس التاريخ ان الامبراطوريات تنشأ وتنمو وتتفوق وتتراجع وربما تموت شأنها شأن الكائن البشري وهي في سعيها للسيطرة تبذل قصارى جهدها وتستنفذ كامل طاقتها للوصول الى القمة وفي مقدمة ما تستخدمه لتحقيق ذلك القوة العسكرية وعلى قاعدة انه عند الكمال يبدأ النقصان تكون تلك الامبراطوريات قد استخدمت واستنفذت جل طاقتها للوصول الى ذلك المستوى من الريادة والقيادة ولكنها عندما تستشعر التراجع او السقوط فانها في سعيها للحفاظ على تفوقها تستخدم كل اشكال العنف والقوة المفرطة دونما رادع اخلاقي او قانوني .
لقد استطاعت الامبراطورية الامريكية قيادة العالم من خلال معطيات القوة الاقتصادية والعسكرية والتفوق التكنولوجي والثقافي وسعت لان تحتكر مكانة القطب الاوحد خلال العقود الماضية ولكنها فشلت في الحفاظ على ذلك حيث تمكنت قوى واعدةواخرى صاعدة ان تنازعهاوتحتل مكانة هامة لها في المشهد الدولي لذلك نراها اليوم تجهد وتناور لتحافظ على مكانة متميزة واستثنائية لها في هذا العالم الجديد وهي في سعيها هذا تحاول الاستثمار ليس في قوتها المفرطة وانما في قوة نفوذها لدى بعض دول العالم وحكامه والعمل لاعادة انتاج وتسويق منظومة قيم انسانية امريكية طرحها المؤسسون الاوائل مثل الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير والواضح ان تلك المحاولات لا تجد نصيبا كافيا من النجاح لان تجربة اكثر شعوب العالم مع الادارات الامريكية المتعاقبةوبالاخص في الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية وحتى الان اثبتت انها -اي تلك الادارات -تضع تلك المبادئ المزعومة جانبا عندما تتعارض مع مصالح المجمع السياسي الاقتصادي العسكري الامريكي في ظل عولمة متوحشة ؟
د.خلف علي المفتاح