يقولُ الشَّهيدُ: وُلِدْتُ ندياً، ولي وطنٌ فوق عرشِ الزَّمانِ، يسيرُ إلى الشَّمسِ، يحرسُهُ وجهُ ربٍّ جميلٍ ونومُ يمام، تفيءُ إليه ِالعصافيرُ جذلى، تعبِّئ أعشاشَها غمرَ قمحٍ تَوَضَّــأُ في مائهِ ثم تمضي إلى بيتها في الغمام،
خذيني إليكِ أيا أميَ الأرض، نقرأ كتابَ الترَابِ ونشهَدْ: بأن دماءَ بنيك قرابينُ نورٍ وراياتُ صبحٍ لأجل السلام.. فيا وطني، وطنَ الخالدين، عليكَ.. عليكَ السَّــلامْ.. تردُّ ابنة الأرض: بَقايَا غَمامٍ علَى الرُّوحِ يَهمِي، سلامٌ إذاً يا أميرَ الغمَامِ، ويَا دربَنا الوعرَ ذَابَتْ خُطَانَا عَليكَ ونحنُ نحَاولُ أهدابَ حُلمِكَ يَا حُبُّ، نحنُ الظِّمَاءُ إليكْ.. فيَا سيِّدَ الغَيمِ.. هَيِّئ لنا مَوعداً مِن حَنينٍ، على شرفةٍ من يَمامْ.. كفافاً لأرواحنَـــا.. والسَّلامْ..
يقولُ الشَّهيدُ: أُلوِّنُ أرضيَ بالأرجوانِ، أزينها بأكاليل غارٍ، ألفُّ عليها عباءة نورٍ، وأملأ هذا الفضاءَ بيارقْ.. وأفرش هذا الترابَ الخضيبَ مفارشَ عطرٍ، أسـيِّجـُـه بالزنابقْ.. وأمسح قلبي بمنديل أمي وأجعل في كفها الشمسَ، أرفعُها فوق هذي السماء وشاحاً، وأملأ وجه البحار زوارق.. وأمشي وأهتف ضد الطغاة وضد العصاة وضد البنادق: بأنَّ سلامك يا أرضُ قادم.. سأمضي وأقرع أجراس كل الكنائس، وأسكبُ عطر سهوليَ فوق الصبايا أكحِّلُهُنَّ بتبر الخلود وأُلْبِسُهُنَّ سواراً من الزهر كيما يزفـيْـن يوماً إلى الطاهرين عرائس.. وأمضي فأوقظ كل العواصمِ، أكسرُ كلَّ قيودِ المَعَاصمِ، أدفعُ خبزيَ للجائعين.. وأغمرُ هذي المدائن قمحاً وأرزاً.. أطيِّرُ فوق البيوت يمائــمْ.. وأقطعُ أسلاكَ كلِّ الحدودِ وأهدمُ أسوارَ ظلمِ الشُّعوبِ أنيرُ دجاها بطهر العمائــمْ.. وأفرشُ كفِّي، ليمشي الصغار عليها إلى قادم من نعيم: سلالــــمْ.. وأطلقُ في الأفق أرواحَ كل البريئين سربَ حمائـمْ.. وألقي على قبر كل شهيد نبيٍّ وروداً.. وأصنع للعاشقين خواتمْ.. وأشرب نخب حنيني إليكِ أيا أرض كل السَّماوات والقمحِ.. ثم أغني: ليتَ أنَّا حقلُ قمحٍ.. وشذىً من حنطة الأيَّامِ نعطي خبزَنَا للبَائِسِينْ.. ليت أنَّا نهتدي للغيمِ حتى يشهَدَ الغيمُ انهمارَ الياسَمينْ..ليت أنَّا قبلةُ العشَّاقِ تُهدَى للمَسَاكينِ وسُمَّارِ الأنينْ.. ليتَ أنَّا.. ليتَ أنَّا.. ولكنني سوف أمضي جميلاً..
يقولُ الشَّهيدُ.. يمامٌ هوالعمرُ مرَّ، وقلبيَ كوخٌ تلوحُ نوافذُهُ البيضُ في عتمة الروحِ، أرخي أنيني فيه وأمضي كراهب دير يشيخُ قُبيلَ الأوانِ، وما ترك الحزن لي من بقايا متاعيَ إلا قليلا.. سأمضي جميلا.. يمامٌ.. وأمضي بكلِّ حنيني, إلى زمنٍ أصنع اللوزَ فيه ومنديلُ أمِّي يُلوِّحُ لي من بعيدٍ، ووجهٌ لـــ «ابنيَ» يهتفُ بي: «لا تنسَني يا أبي لاقِني للترابِ.. إذا ما وجدنا إليه سبيلا..».
يمامٌ هي الروحُ تهدل فوق رصيف الحياة الموشَّى بدمع اليتامى وحزن الأيائلْ.. أيا وطن القمح.. هيِّئ لنا مُنذراً أورسُولا.. يمامٌ يحطُّ على شرفة الروحِ.. هذا أوانُ الرحيل.. كأني سأمضي بكل جراحيَ.. لي كفنٌ من قصائدَ كالحلم.. قصرٌ من الأمل المُستحيلْ.. ولكنني.. سوف أمضي أقاوم.. وأرفعُ نخب حنيني إليكِ أيا موئل التبر والمجدِ.. ثم أغني: بأن سلامك يا أرضُ قادم ْ.. مع القادمين من الدَّمِ قادم ْ.. مع السَّائرين إلى النُّور قادمْ.. مع الثائرين إلى الغدِ قادم.. مع الطالعين إلى الشمس قادمْ.. قادمْ.. قادمْ.. قااااادمْ..
ليندا إبراهيم
التاريخ: الجمعة 12-10-2018
رقم العدد : 16809