يمتلك كل فرد طاقة إبداعية في مجال ما,إذا لقي تحفيزاً وتشجيعاً وعمل على تطوير نفسه تألق ولمع نجمه, وكم نحن بحاجة لبرامج تحفز على الإبداع ونحن اليوم أمام أحد البرامج وهو أبجدية الفن الذي يقدم على سورية دراما يسلط الضوء على كافة جوانب حياة الفنان التشكيلي وتغوص بين خفايا حياته.
فكان للبحر والطبيعة والجو العائلي ذي الميول الفنية دور في بروز موهبة الفنان التشكيلي أنمار تقلا فكانت والدته مدرسة تحضّر لمعارض الصناعات اليدوية في المدرسة, ووالده صاحب خط جميل, يقول الفنان تقلا: أعطاني البحر والطبيعة الساحرة أفقا وخيالا واسعين بقريتي التابعة لمنطقة الشيخ بدر المطلة على البحر.
وقد لفتت موهبته نظرَّ مدرسيَّه فتوسموا به مهندساً أو طبيباً, فبرع بالرسم في الثمانينات حيث كان التوجه نحو العلم فتميز برسم رسومات المناهج الدراسية كالعلوم والجغرافيا وكان يشارك في معارض الأشغال اليدوية التي تنظمها والدته.
ثم انتقل لدمشق لدراسة الطب التي أعطته مخزوناً فنيا ثقافيا من خلال جغرافيتها الفنية وحركتها الثقافية فكان يتابع المعارض بشغف دون ممارسة الرسم ما أعطاه مخزونا بصريا وفكريا وروحيا, وبدأ بالرسم بعد تخرجه حيث تخمرت الأفكار داخله وبدأ الرسم بالألوان والرصاص والرمل بأنواعه والأشغال اليدوية فحاكت لوحاته المرأة والطبيعة فبدا تأثره بالمدرسة الكلاسيكية فبدأ برسم صور البورتريه للمرأة كرمز للجمال والطبيعة والحيوانات كالغزال.
ثم استهواه الفن الإيطالي وكان محور عمله الرصاص ثم انتقل إلى الحرق على الخشب وبعدها انتقل إلى المدرسة الانطباعية متمثلة باللعب بالألوان وحركاتها, وشدَّه فن المنمنمات فهو بحر واسع يتميز بغنى فكري وعلمي.
تطورت موهبته من خلال استخدام أدوات جديدة لم يغب عنها البحر, وتأثر بالمدرسة الواقعية والتعبيرية والسريالية, فرسم الحارات القديمة بدمشق وطرطوس…
وقد تميز البرنامج بالإعداد الجيد حيث التقى مع الفنان في مرسمه الخاص حيث رُكز على أعماله ولوحاته فأخذنا إلى عوالم الفنان الخاصة فشاركناه رؤيته ونظرته الحالمة وتخلل البرنامج عرض بانورامي لأعمال الفنان والحديث عن مسيرته الفنية والشخصية بطريقة احترافية من قبل المقدمة رشا.
كان للبرنامج وقفة مع الفنان التشكيلي العالمي حسن ملحم حيث تناولت المعدة والمقدمة رشا النقري الحياة الخاصة للفنان ملحم من مولده في قرية حنجور التابعة لحماه لعائلته الكبيرة المكونة من 12 فردا التي لا تعطي وزناً للفن, وتناولت علاقته الحميمة مع والدته التي زرعت بذور الخير داخله, حيث انتقل إلى دمشق ليتابع الحركة الفنية ويدرس الفن بطريقة صحيحة, حيث ساعده العديد من الفنانين, ثم سافر بعمر ليس صغيرا إلى اسبانيا وتتلمذ على أيدي عمالقة المدرسين, حيث تألق خلال زمن قصير فابتكر أساليب جديدة نال إعجاب كبار الفنانين الأسبان, فأعطوه دافعا لإقامة معرض مشترك مع فنانين اسبان, فاطلع على مراسمهم وأعمالهم ما أعطاه حافزا ليبتكر شيئا جديدا في عالم اللون وقرأ طريقة تفكير الشعب الإسباني فأدرك أنهم شعب نيراني فركز على الألوان النارية فكان حصيلة المعرض الإقبال على شراء لوحاته وتفوقه على رفاقه, برغم حرفيتهم العالية فطلبوا منه الاستفادة من تجربته في مجال اللون,وقد كانت لوحاته شاملة لأغلب المدارس وتناول الطبيعة والبحر والتراث الدمشقي, وقد أقام عدة معارض برعاية الكنيسة.
وعاد إلى سورية مع بداية الأحداث برغم التهديد وهدم منزله وحرق سيارته لم يتوقف عن إقامة المعارض «معرض الانتصار 2013, معارض الوفاء للقائد بشار الأسد» لإيمانه العميق بالانتصار الحتمي, فعاد إلى طرطوس مدينة الشهداء ليكتب الشعر للبحر بالريشة والقلم فكان يضحك مع اللوحة ويبكي معها ويعيش تفاصيلها كتب للمرأة وآلام المجتمع في رحلة بحث دائمة عن أفكار جديدة, ومن أكبر خسائره في هذه الحرب المجنونة ديوانان كانا جاهزين للنشر ومشروع لعدة مسرحيات كان ضمن منزله الذي هدم.
تميز البرنامج بالبعد عن النمطية حيث أعطى الفنان فضاء واسعا ليعبر عن نفسه وبأريحية بعيداً عن الأسئلة المباشرة.
البرنامج من إخراج قصي داؤود, نحن بأمس الحاجة لترسيخ هذه البرامج لتسلط الضوء على مبدعينا على ألا تنحصر اللقاءات بمدينة طرطوس وتكون دورية تقدم بشكل أسبوعي على أقل تقدير.
سلوى الديب
التاريخ: الأثنين 15-10-2018
رقم العدد : 16811