بصمة الأشياء والأشخاص نتلمسها من الرائحة.. رائحة تحفر في أعماق ذاكرتنا وتجول بنا عبر الزمان والمكان دون أن نشعر وتحدث فعلها في اللاوعي الإنساني..
تغفو قليلاً وتستيقظ في دواخلنا بحسب رغباتنا في استعادتها أو نفيها إلى أعماقنا القصية.. بين رائحة الذاكرة والواقع نفحة لاتأخذ أكثر من طرفة عين لكنها تصرع اللب بين ذكريات الموت والحياة.. الحب والشقاء.. الفرح والحزن.. فرائحة البارود مثلاً تختلف ذكراها بين مخزون ومهزوم ومنتصر منتشٍ وآخر تقوده إلى الموت.. تلك الرائحة تعيد إنتاج ماكان يعتقد الناس أنهم يقومون بإزالته من ماضيهم أو إعادته إلى حاضرهم..
تجليات رائحة الذاكرة في الفن والأدب نسجت القصائد والقصص والروايات وتفرد كل أديب في عوالم روائحه.. (رائحة الجوافة) لماركيز و(رائحة الورد وأنوف لاتشم) لإحسان عبد القدوس و(العطر) لباتريك زوسكيند حيث يستقطر من أجمل الفتيات ويخزنها في قوارير..
فيما نشم رائحة اللوز والبرتقال والزعتر في قصائد محمود درويش والياسمين الدمشقي في روائع نزار قباني ورائحة البحر ورغيف الخبز في روايات حنا مينه ورائحة العنب والتلال الجرداء متخمرة في شعر الماغوط.. الرائحة التي ردت بصر يعقوب عليه السلام لاتشبه أي رائحة.. رائحة الحبيب إلى القلب المتعب وكانت كافية لتكون سببا في شفاء المحب عندما أتوا له بقميص يوسف عليه السلام..
مزيج الروائح بين الواقع والخيال هو مزيج بين التوثيق والتخييل لمحطات حياتنا فنعيش مكابدات الحياة ونختبر أنفسنا بانفعالات متناقضة تقودنا إما إلى يقين راسخ وإيمان مطلق بوجهات نظرنا أو تجعلنا محكومين بالحلم والأمل رغم الألم..
رؤيـــــــة
هناء الدويري
التاريخ: الخميس 22-11-2018
الرقم: 16842