أعشق الترتيب والتنظيم، وعندي هوس مزمن به، وأقضي أكثر من نصف نهاري في التصنيف والتوثيق الورقي، لكل مايقع في دائرة اهتماماتي الثقافية، من فن تشكيلي وموسيقي وشعري وأدبي، وحين أنتقل من مكان لآخر، يأخذ أرشيفي حمولة نصف شاحنة. كما أقضي معظم أوقاتي في الرسم والكتابة على الكمبيوتر, على صوت الموسيقا وأغاني العصر الذهبي. واستغرب حين أقرأ منشورا يقول صاحبه: أنه يحب الفوضى والكركبة، ويجاهر بنشر صور الكركبة في منزله أو مرسمه أو مكتبه.
والواقع ان ترتيب مكان سكن وعمل الفنان أو الكاتب هو جزء من شخصيته، فالترتيب يعكس توق صاحبه في أن تكون أفكاره وطروحاته مرتبة وخالية من الأخطاء والثغرات. بخلاف حياة الفوضوي التي تترك تأثيرات سلبية على لوحاته وطروحاته، وتحمل قدراً من العبثية في حركات خطوطه وألوانه على سطح اللوحة، ونعرف تشكيليين كثيرين كانت الفوضى تحيط بهم في محترفاتهم، وكان ذلك يمتد إلى لوحاتهم, ونجد فيها الكثير من العبث والاستسهال والفوضى، ومع ذلك كانت تجد من يقتنيها ويعجب بها، على أساس أن المغامرة والعبث، في وضع المادة اللونية، من أبرز متطلبات اللوحة الفنية الحديثة والمعاصرة، دون توضيح صورة الاختلاف بين الصدق والافتعال والادعاء.
وإذا كانت هذه المظاهر تترك تأثيرات على أعمال بعض الفنانين المحدثين, فإن ذلك لايظهر عند بعضهم الآخر، وخاصة الذين يمارسون الرسم الكلاسيكي والواقعي، الذي يتطلب مزيدا من الجلد والصبر الطويل والتأني في ملاحقة التفاصيل، وإبراز عناصر التناسب والاتقان والحيوية في معالجة تدرجات الظل والنور.
وطبيعة وأسلوب حياة المبدع، تعطيه دقة في مواعيده، وتجعله يحترم عمله ويتفانى في إخراجه بالشكل اللائق. كما أن ترتيب مكان العمل، يضفي مزيداً من الدفء، ويجعله واحة جمال وإبداع، وقمة في الذوق والإحساس، وصومعة غنية بالحب، وعالم ثري وراق من السحر والإلهام.
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
التاريخ: الأحد 16-12-2018
الرقم: 16861