الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية في وضعنا الراهن يثير العديد من التساؤلات وبخاصة في عصر عربي جديد نبحث فيه عن مكان لنا في العالم، العديد من الدول العربية فيه أضاعت البوصلة وعوضا عن الاحتفاء بالهوية العربية أصبحنا نبحث في موضوع تأكيد الهوية وضرورة الحفاظ عليها بضعف وهزيمة محتملة قاتلة بسبب أنظمة وسياسات ومملكات نصّبت نفسها الراعي للأمة ولغتها مع أنها في الحقيقة لا ترقى ولا بأي معنى من المعاني لاكتساب شرف العروبة..
هل يمكن لثقافتنا وبلغتنا أن يكون لها أثرها الإبداعي المؤثر والفاعل في ظل الانكسار المفروض علينا والحصار الاستراتيجي الذي تمارسه العديد من الدول التي يقال عنها عظمى… وفي ظل نهب ناتج النفط والإنتاج العربي رغم أننا نشكل نسبة لا بأس بها من العالم ونختزن أكبر احتياطي للطاقة.. هل يمكن..؟ وموقفنا العربي لا يزال بعيدا عن التحرر واستقلال القرار وبالتالي فعالية الأداء..
هناك فجوات عميقة بين الواقع والحلم في عالمنا العربي، واقع مضطرب ومتصادم يحتاج للكثير من التحليل والوصف والتشخيص وتحريك آليات عمل حقيقية نابعة من إرادة وعمق انساني عربي حقيقي من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية تنتصر للانسان العربي واللغة العربية والثقافة العربية لتأخذ مسارها الصحيح وسياقها الإنساني الطبيعي.. فهل من فكر يتكهن بمستقبل عربي.. وبلغة عربية شكلاً ومضمونا يعيد تشكيل الوعي الثقافي القومي العربي…؟؟
حماية وتمكين اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من ٤٢٢ مليون نسمة يبدأ من إعادة الألق للفكر العربي والقومية العربية، لأن لغتنا صمدت ولم ولن تشيخ أو تموت على مرّ العصور وهذا ما يعطينا جرعة تفاؤل، ونحن مضطرون في رهانات المستقبل الكبرى إلى التعويل على مجالات الحرية في استشراف المستقبل، ومجالات القدرة والعزيمة التي لن تنكسر أمام أي خطر أو تهديد مباشر أو غير مباشر لعروبتنا وكينونتنا، ويكفي أن نذكر أن اليونانيين نقلوا موروثهم الفكري والثقافي والأدبي والفلسفي عن سكان سورية ثم أعطوا هذا الإرث إلى الرومان وبالتالي إلى شعوب أوروبا الحديثة، في وقت لم يكن به أميركا، لذلك ليس غريبا أن يقول الشاعر الروماني جوفينيال (٦٠- ١٣٠) ميلادي: (إن نهر العاصي أصبح يصب في نهر التيبر منذ أمد بعيد، حاملا معه لغة سورية وتقاليدها وثقافتها)..
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 21-12-2018
الرقم: 16866