«وللذكريات مواسمها»

تأخذنا المشاعر الى حضن الذكريات المخبوءة في عمق الذاكرة.. ذكريات لا ندري متى تشكلت، وكيف ارتبطت بأماكن، وبأشخاص، وبرائحة عطر، بل وبأشياء أيضاً.. تلك المحطات في الحياة التي نعود، أو نركن اليها بين وقت وآخر بإرادة منا، أو رغماً عنا إذا ما باغتتنا، وهاجمتنا فجأة ودون استئذان لارتباطها بمن نحب، أو بما نكره.. وهي تسكن في دواخلنا، وتتجذر كشجرة وارفة تمد أغصانها دون اعتراض منا، ودونما يوقفها شيء.. وهي تنبت للفرح، كما للحزن على حد سواء.
وكأن الذكريات حياة أخرى نعيشها داخل الحياة.. أو أنها هدية الحياة إلينا في استرجاع اللحظات بحلوها، ومرها.. ومعها نعود الى المشاعر، والأحاسيس التي مررنا بها في حينها.. ألا يصبح العمر شريطاً من ذكريات، وهي تسير بنا بين شواطئ الزمن لترسو مراكبنا في كل المراسي.. فرحاً، أو ألماً.. نجاحاً، أو إخفاقاً.. فقراً، أو غنى.. صحة، أو مرضاً؟
وشجرة الياسمين المزدهرة في حديقة بيتنا غالباً ما فعلت بي ذلك.. لتأتني بذكريات معطرة برائحة الياسمين الدمشقي يوم غرستها أمي، وهي تقول لي: بيت دمشقي.. إذاً فيه شجرة ياسمين.. ولا يهم إن كانت تخرج من حديقة، أو من أصيص في شرفة.
وأتذكر يوم انتزعت ذلك الفرع القوي من الشجرة الكبيرة لتغرسه من جديد ليصبح شجرة هو أيضاً ترمي بنجومها البيضاء بغزارة وسخاء، وهي تفرش الدروب بالأبيض كما ندف الثلج.. فينتشر عطرها، ويفوح عبقها في فضاء المكان، بل إنه يتسرب الى أبعد منه حتى إذا ما دخلتَ الى شارع دمشقي صغير استقبلتك بالترحاب رائحة الياسمين التي غدت من خصوصية دمشق لتُميزها من بين العواصم.
ولعل التواريخ هي الأقدر على جعل الذاكرة تستحضر تلك الأحداث التي مضت وارتبطت في أذهاننا بموضوعات شتى.. وفي الشهر الأخير من العام تأتني ذكرى غياب نجمة دمشقية تألقت في عالم الحرف هي (قمر كيلاني).. والغياب لا يعني الانطفاء.. فكم من المبدعين رحلوا، ومازال حضورهم الأدبي متوهجاً بيننا.. نقرأ حروفهم، ونستحضر عباراتهم، ونقلّب صفحات مؤلفاتهم التي تركوها لنا، وكأنهم ما غادروا.. بل هم حاضرون.. نتحاور مع آثارهم التي تحمل إبداعاتهم، وتعلن عن مواهبهم.
وياسمينة دمشقية تسقط مثل نجمة بيضاء في كفي يخطفني عبيرها مع الحنين الى يوم زرنا معاً هي وأنا حدائق جنات العريف القريبة من قصر الحمراء في غرناطة، والتي ظلت شاهدة على أيام كانت الأندلس مزدهرة.. والياسمين الدمشقي الذي انتقل اليها يفوح عطره في أجوائها يوم كانت ترفع شعار (لا غالب إلا الله).. وتتألق في ذهني عبارات (قمر) عندما كتبت عن تلك الرحلة الاسطورية الى الأندلس في مؤلفها (أوراق مسافرة): ياسمينة دمشقية تعني لي خلاصة عطر العالم الذي بدأ من دمشق.
وما بين وجه، وعطر، ومكان.. نطيل البقاء في حدائق الذاكرة العابقة بمشاعر الشغف، والحنين الى كل ما نحب.. ومن الذكريات ما يخبو، ومنها ما يظل مشعاً.. فما بالنا بذكرى نجوم تظل متوهجة، ولا تنطفئ.

 لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 21-12-2018
الرقم: 16866

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة