ا أضيق العيش لولا فسحة الأمل، لم يبق أحد منا على ما أظن إلا وردد شطر هذا البيت كثيراً، ومن لا يحفظه ابتكر لنفسه ما يعادله، والناس مولعون بما يبعث الأمل في النفوس، ويعطي دفعاً للأمام، من هذا المبدأ كانوا يقولون: الغريق يتعلق بقشة، نعم، بقشة مهما كانت، وعلى مبدأ أنه لو كانت الساعة ومن كانت بيده غرسة فليغرسها، ولقد جسد آباؤنا وأجدادنا هذه المقولات، حينما فعلوا الكثير وقدموه لنا، غرس الأقدمون فأكل الأجداد، وغرس الاجداد ليأكل الآباء، وبدورهم ( الآباء ) غرسوا لنأكل، ونبقى وتمضي الحياة بنا نحو غد أقل ما نأمل فيه أن يكون أفضل من الأمس المنصرم، وكم من فتى بكى على ما كان حين وصل إلى الغد !!
هل نحن منهم، هل نبكي أمساًَ مضى متحسرين على ما كان، هل جربنا أن نطرح السؤال على انفسنا وبقوة، هل راقبنا أنفسنا والآخرين، ورصدنا تحولاتنا بين ليلة وضحاها، بين فترة، واخرى، ماذا حل بنا، أظن اننا لسنا بحاجة لمثل هذه المدونات، فالأيام المرة حفرت مجراها على وجوهننا، رسمت بؤساً وقهراً، ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، تكاد تقطف الغضب والحزن من على وجوههم، بل بالعامية ( وجوهنا تكب صحن اللبن ).
تحولات عميقة، قاتلة، لم تكن قبل عامين، لم يلتفت إليه الكثيرون ممن يهمهم الأمر أو يعنيهم، كان السوريون يحققون النصر تلو الآخر، بكل ساحات المعارك، ارتقى ابناؤنا لنبقى، تطهر الأرض بدمائهم لنعيش ونزرع ونبني ونحمي ما صعدوا من أجله، ثمة آمال عريضة كبيرة، واسعة، ولكن ما الذي حدث، من بدد هذا الحلم، من الذي يعمل على اختطاف نصرنا ؟
من الذي يجعل حفريات الزمن تزداد عمقاً، تعنكب وتمضي لتحفر في القلب والعقل الأسئلة المرة ؟ أليس من حقنا أن نسال، ولكن من نسأل، بل من يجيب علي ذلك ؟
في هذا العالم الأزرق، ربما نجد مساحات من الإجابات غير المباشرة تدل على فصامنا، تدل على أننا فعلاً مرضى الوهم والتضليل، معظم من يعنيهم السؤال وموجه لهم من المسؤولين عن الكثير مما نمر به، سيكون جوابهم: كل ما نقوم به، رائع، بل يبكون الحال، ويشتمون الفساد والفاسدين، يتحدثون عن ضرورات الارتقاء بالعمل، والنهوض، لا يقفون عند هذا بل يذهبون إلى التنظير بكل ما يجعلك تتساءل: يا ويح قلبي، هل أنا المسؤول كمواطن عن طوفان هذا الخراب ؟ بل تؤنب نفسك للتقصير بحق هؤلاء المسؤولين الأتقياء، الانقياء …
تبحث في هذا الخراب المقصود عن بوارق أمل، تجدها، تعيشها، لكنها يا فرحة لم تكتمل، ما تكاد تشعر بها لساعات حتى تنقض عليك منغصات تظن أننا تجاوزناها منذ زمن، تبحث عن رغيف خبز فلا تجده إلا عند البائع على الرصيف، عن اسطوانة غاز، وهي بالمستودعات احتكاراً، المازوت، لايقترب من شتائك، الكهرباء تلمع لعشر دقائق وتغيب لثلاث ساعات وأكثر، وتعدك نهاية الشهر بفواتير خيالية .
وتفتح الصحيفة، تتابع التلفاز، المذياع، تسمع ما يشكو منه المواطنون، تنتظر رد المسؤول: تبهرك بلاغة ما يتحلى بها، لاشيء إلا وهو تمام التمام، كله يحل، كله تحت السيطرة، كله مضبوط، فقط هو المواطن الذي يكذب، والمسؤول بريء، بريء، أمورنا تمام التمام بحق، أهي معزوفة نهاية العام، هي، ولكن كما قيل ( ولدنا، عشنا، عملنا، تعذبنا، متنا ) اليس الخواء بعينه ..؟
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 21-12-2018
الرقم: 16866