بعد أن أصبحت السويد رائدة في رعاية الصحة النفسية لأطفالها، وبعد أن مُنع فيها العقاب الجسدي، وكانت من أوائل الدول التي تصدر قانوناً يمنع ممارسة أي نوع من أنواع العنف على الأطفال، فقد تسبب ذلك بفجوة في التربية الصحيحة لتمرد الأبناء على الأهل بحجة حقوقهم التي منحتها لهم الدولة بموجب قوانين أصدرتها.
إلا أن التفاهم يظل أفضل من العقاب في كل الأحوال.. وعلى هذا الأساس فإن حلولاً ذكية أوجدها القائمون على التربية، فمع كل فحص جسدي دوري يتم الكشف على الصحة النفسية للطفل، ومنذ عمر مبكر من خلال أسئلة محددة ليخرج الطفل من عيادة الطبيب ومعه وصفة طبية خاصة به ربما لا تصلح لغيره ولو كان في مثل عمره، أو أنه توأمه.
لكن هذه الوصفة لا تصرف في الصيدلية كما باقي الوصفات الطبية إنما يتم صرفها في أقرب مكتبة مختصة.. إذ يتوجه الطفل مع أحد الأبوين الى المكتبة فتُعرض عليه مجموعة من الكتب المشوقة لينتقي منها واحداً. وهذا الانتقاء المحدد يكون بدوره دليلاً للمشرف النفسي على ما يعاني منه الطفل، أو يطمئن اليه.
أما وقد تطور علم نفس الطفل وتفرعت تخصاصاته فقد أصبح لزاماً عليه إيجاد طرق حديثة وعملية للرعاية والعلاج. والرعاية النفسية في تلك البلاد إلزامية وليست اختيارية، وعيادات الطب النفسي تنتشر الى جانب عيادات طب الأجساد بكل ما يلزم لها من أطباء، وممرضين، ومعالجين، ومرشدين، الخ…، وحرصاً منهم على صحة مجتمعاتهم فقد افتتحوا عيادات خاصة للمهاجرين الذين يعانون من صدمات نفسية.. وعيادات للطوارئ تفتح أبوابها على مدار الساعة.
أما حقوق الطفل في بلاد هي رائدة في الحفاظ عليها فحدث عنها ولا حرج، وهي قد تبدأ من سؤال الطفل كيف يرغب بتناول الدواء على شكل أقراص مثلاً أو سائلاً، لتصل الى حقه في التعبير عن رغباته، الى جانب المشاركة في اتخاذ القرار فيما يخصه وصولاً الى حق اتخاذه القرار منفرداً فيما بعد بما يعزز الثقة بالنفس، والاستقلالية، وتحمل المسؤولية.
والصحة النفسية تأتي على رأس قائمة حقوق تطول ولا تقصر في كل ما يطرأ عليها من جديد نتيجة التطور التقني، وما يستجد على ساحته وينتج عنه من مشكلات تصل الى سلامة الأطفال، وخاصة أن أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن هم دون السن القانونية بات يشكل مشكلة مؤرقة في معظم دول العالم.. والمنظمات العاملة في مجال الرعاية النفسية تنشط في مهامها ليكون دعمها للآباء كما للأبناء، وأبسطها الاتصالات الهاتفية غير المأجورة، والتي تتمتع بميزة السرية التامة، والتي يمكن من خلالها للمتصل أن يحصل على دعم نفسي يسعفه في مواجهة محنته، وتجاوز أزمته،
وإذا كانت الحركة العنيفة تؤذي الأطفال صغيري السن جسدياً، ونفسياً فما بالنا بإخافتهم، أو تعنيفهم، والتخويف والترويع قد يصلان بالطفل الذي يقع في دائرتهما الى حد فقدان العقل. وما بالنا أيضاً بأولئك الذين فتكت بهم الحروب فدمرت أعمارهم قبل أن تدمر أحلامهم عندما تعرضوا لتجارب جارحة سواء أكانت نفسية، أم جسدية.. أو أنهم فقدوا الأعضاء، بعد أن فقدوا طفولتهم!
وكما للحروب مخلفاتها من هدم، ودمار في البنيان فإن آثارها أكبر على الإنسان.. كل هذا مما يُعرف.. إلا أن الأهم هي تلك الآثار النفسية المؤجلة التي لا تظهر في حينها لتكون أكثر عنفاً على المدى البعيد بما يتطلب دعماً نفسياً حقيقياً، وأكيداً حتى لا يكون الفشل حليف المصاب في التأقلم مع المجتمع فيما بعد الأزمة، وبما يضمن إمكانية التكيف، والتعايش مع المحيط الاجتماعي بعد تجربة قاسية، واختبار صعب لا يصلح للطفولة بحال من الأحوال.
وما على المجتمعات بعد هذا إلا أن تعي تلك المخاطر التي ستجد نفسها في مواجهتها بعد انتهاء أزمتها لتتصدى لها بالوعي، والدعم، والرعاية، والعلاج، والاحتواء الذي يلزم.
إضاءات
لينـا كيــلاني
التاريخ: الجمعة 28-12-2018
الرقم: 16872