عن الرواية… ديوان العرب الجديد

تنسبُ هذهِ العبارة للروائي العربي المصري نجيب محفوظ، وينسبها آخرون للناقد المعروف جابر عصفور، ومنذ فترةٍ أصرَّ بعضهم أن أوّلَ من أطلقَ عبارة «الروايةُ ديوان العرب الجديد» هو الروائي العربي السوري حنّا مينه، ولعلَّ الأهم من معرفةِ إلى من تنسب العبارة، معرفة ما تعنيه ولماذا أطلقت؟ كَثُرت التعريفات التي حاولت أن تحيط بجنس الرواية وعانى المصطلحُ – ولاسيّما عندنا نحنُ العرب – اضطراباً شديداً، حتى استقرَ أخيراً.
ولكن ما يميزُّ الروايةَ بصورة عامة أنّها متغيّرة، متبدلة، متطوّرة، أبداً لا تثبتُ على حالٍ أو قواعد وأصول، إنها كالحياة نفسها، وهي وإن انطلقت أولاً من كونها عملاً أدبياً فنياً إلا أنها تجاوزت حدود جنسها إلى حقولٍ أدبيّة وفنيّة ومعرفيّة أخرى تماماً، وقد عزى بعضهم سرّ نجاح الرواية إلى هذا النهم في التغذّي على وجوهٍ أخرى من وجوه الفن والمعرفة، فقال:
« إن صفة هذا النوع الأدبي (المفتوحة)،التي تتيح تحقيق مقايضات متبادلة، واستعداده لأن يهضم، وفق جرعات مختلفة أكثر العناصر تنافراً – محض وثائق، خُرافات، تأملات فلسفيّة، تعاليم أخلاقيّة، نشيد شعري، أوصاف -وبكلمة واحدة خلّوه من الحدود، كل هذا يسهم في تأمين النجاح له، إذ إن كل شخص ينتهي بأن يجد فيه ما يبحث عنه، وما يؤمن لبحثهِ حياة طويلة، لقد أتاحت مرونتهُ المتناهية أن يتغلّب على جميع الأزمات، هذهِ السمات ذاتها تجعل كل محاولة لتعريف هذا النوع الأدبي، ضرباً من المغامرة».
لقد صَاحبت الروايةُ الإنسانَ على الدوام وبإخلاص منذُ بداية الأزمنة الحديثة، وراحَ هذا الفن الكبير يعمل على سبر ذلك الكائن المنسي – كما يعبّر ميلان كونديرا – ذلك أن تقدّم العلوم بصورةٍ عامة قد دفَعَ الإنسان إلى دهاليز عديدة؛ منها دهاليز الفروع الاختصاصيّة، فإذا بالإنسان الذي بدأ يغوصُ في معارف تخصصيّة دقيقة وضيّقة المجال، يبتعدُ في الآن نفسه عن رؤية الصورة الشاملة للعالم ولذاتِهِ في اللحظة نفسها، ويقعُ فيما سمّاهُ هيدغر (تلميذ هوسرل):»نسيان الكائن».
وهنا نرى أن الرواية – كما يعبر كونديرا – استطاعت أن تكشف عن الثيمات الوجوديّة الكبرى، وأضاءتها خلال أربعة قرون من عمرها»، لقد اكتشفتْ الروايةُ واحدة بعد أخرى، بطريقتها الخاصة، وبمنطقها الخاص، مختلف جوانب الوجود: تساءلتْ مع معاصري سرفانتس عما هي المغامرة، وبدأت مع صموئيل ريتشاردسون في «فحصِ ما يدور في الداخل» وفي الكشف عن الحياة السريّة للمشاعر؟ واكتشفتْ مع بلزاك تجذّر الإنسان في التاريخ، وسبرت مع فلوبير أرضاً كانت حتى ذلك الحين مجهولة هي أرض الحياة اليوميّة، وعكفت مع تولستوي على تدخّل اللاعقلاني في القرارات وفي السلوك البشري، إنها تستقصي الزمن: اللحظة الماضية التي لا يمكن القبض عليها مع مارسيل بروست، واللحظة الحاضرة التي لا يمكن القبض عليها مع جيمس جويس، وتستجوب مع توماس مان دور الأساطير التي تهدي خُطانا وهي الآتية من أعماق الزمن…الخ».
إن الرواية بهذا المفهوم تضع «عالم الحياة « تحت إنارةٍ مستمرة، إنها تقفُ ضد «نسيان الكائن» وتحمي البشريّة من ذلك، ولهذا يُكرّر كونديرا خلفَ هيرمان بروخ: «اكتشاف ما يمكن للرواية وحدها دون سواها أن تكتشفه، هو ذا ما يؤلف مبرر وجود الروايّة، إن الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود لا يزالُ مجهولاً هي رواية لا أخلاقيّة، إن المعرفة هي أخلاقيّة الرواية الوحيدة».
د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 30-12-2018
رقم العدد : 16873

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم