محمد محفل.. في موكب الراحلين.. (1928- 2019م).. حلـــــب أثينــــــا الشـــــرق كمــــــا قـــــال لامارتيــــن..
هل بدأ موسم الرحيل الجسدي, بداية عام جديد, يفرد محمد محفل جناحيه ويمضي مع ركب الراحلين, وهو الباحث التاريخي الذي قدم للتراث والتاريخ السوري الكثير من المؤلفات التي أثرته وهو عضو مجمع اللغة العربية بدمشق,
رجل نذر نفسه للعمل والبحث, واستحق التقدير فمنح وسام الاستحقاق السوري, وفي محطات حياته أن الراحل ولد في حلب عام 1928 وفيها تعلم وحصل على إجازة في التاريخ عام 1949 وعلى دبلوم في التربية وعلم النفس عام 1953.
أوفدته وزارة المعارف إلى جامعة السوربون في فرنسا لنيل الدكتوراه في التاريخ القديم فدرس اللغة والتاريخ الآراميين وانتسب إلى معهد اللوفر لدراسة هذه اللغة, كما درس اللغتين اللاتينية واليونانية ليغادر فرنسا عام 1956 بعدما طلبت منه السلطات الفرنسية ذلك بسبب تأييده الثورة الجزائرية بوجه الاحتلال الفرنسي.
عمل أستاذا في جامعة دمشق لتدريس اللغات الكلاسيكية والآرامية والتاريخ القديم, وأستاذا زائرا في جامعة عمان.
وأسهم الراحل في تأسيس لجنة كتابة تاريخ العرب وترأس تحرير مجلة «دراسات تاريخية» وأشرف على تنظيم ندوات ومؤتمرات سورية وعربية ودولية, انتخب عام 2008 عضوا في مجمع اللغة العربية وحاز عام 2012 وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لإنجازاته العلمية المهمة.
من مؤلفاته.. «تاريخ الرومان» و«تاريخ اليونان» و«المدخل إلى اللغة الآرامية» و«تاريخ العمارة» و«الدولة والمجتمع في المغرب ودمشق» وغيرها الكثير.
وربما كان الحوار الذي اجراه معه غسان الشامي في اجراس المشرق, اكثر الحوارات قدرة على سبر الكثير من الافكار التي عمل عليها الراحل محمد محفل, يرى محفل أننا:
نحن في منطقة أولاد عمومة، ثم لدينا في أمور كثيرة تقارب وعلاقات، يعني بالجزيرة العربية البعض عندما يظن بأنّ العرب جاؤوا كأنهم غرباء، يا سيّدي جسّد هذا الأمر لا شك كان والياً من الرجال الكبار لكن يجب أن نُفسر، أن يأتي قائد عسكري كخالد بن الوليد بهذه المفاهيم العسكرية التي دُرّست فيما بعد بالأكاديميات العسكرية، أو إنسان بنى دولة كمعاوية بن أبي سفيان..
ولذلك سكان المنطقة بسهولة تأقلموا وعاشوا سوياً. أقول لك شيئاً، عندما انتهى الدور الأموي, العباسيون انتقموا من الأمويين وأزعجوا أهل الذمّة كما يقول المسيحيون، تصدى لهم إمام كبير مدفون اليوم في بيروت الإمام الأوزاعي، قال لهم قف، لأبي جعفر قال له كف، أنت تجور لا يحق لك أن تجور. إذاً نحن في منطقة بلاد الشام هذه البلاد التي نعيش فيها هي كانت مركز الدولة العربية الكبرى الأولى، مَن هم فيها؟ مَن هم جنودها؟ كيف انتصر العرب في ذات الصواري؟ هل يعرف العرب البحر؟
وعن تدمر يرى أن: نقوشها مكتوبة بخط آرامي المربع، هذه معروفة أكاديمياً، محتوى النص بين اللهجة المحلية وبين العربية، أنا أقول لك عندما كنت أفحص طلابي بالدبلومات أتيت بهم إلى الجزيرة وإلى تدمر وأقرؤهم النص، تأكد أنه من يفك الحرف عندما نقرأ نص «منشام ألونسيو» نفهمه ستين بالمئة.
إذاً الآرامية قريبة جداً من العربية، هي آخر موجة وقريبة وابنة المنطقة، هذا يفسّر بأنه موجود ليس كما قال الاستشراق .
وعن حرية المعتقد يقول: احترام العقيدة مهما كانت، تدل أي وصولاً إلى الإله بطُرق مختلفة، هنا يخطر في بالي ما هدمه طالبان في باميان، عندما نسمع محيي الدين ابن العربي يقول لقد كنت بالأمس أنكر صاحبي إن لم يكن دينه إلى ديني داني، لقد صار قلبي قابلاً كل صورةٍ فمرعى لغزلان ودير لركبان وبيت لأوثان، وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن، أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.
وعما يحدث الآن:، إذا أريد أن أقول لك شيئاً، إقرأ كتاب الشيخ كامل الغزي عن تاريخ حلب، لدينا في حلب في ساحة الصليبة تمثال لمطران جرمانوس فرحات الذي ساعد في نقل المطبعة إلى لبنان، تعلم جرمانوس فرحات العربية على يد مشايخ كبار في حلب، ثم رأينا كما يقول الغزي مشايخ كباراً يفتخرون بأنهم تلامذة المطران جرمانوس فرحات علّمهم العربية، هذا كان منذ أكثر من 200 عام، ولذلك ماذا قال الشاعر لامارتين عن حلب، قال «هي أثينا الشرق».
أنا عشت في سورية القديمة وولدت في حلب في حي مسيحي إسلامي اسمه اسحاق الأربعين، يقع بين التلل والنيال، وأنا درست في مدارس رهبان المسيح، فرير ماريس، وكان لي أصدقاء من كل الأطراف، وعشت في الجامعة السورية، درست وتخرجت، ما أجد اليوم من نغمات أخي لا أدري.
أنا متفائل دائماً كنت ولكن لا شك يحزنني أن أقول اليوم إن وضعنا أصبح صعباً قليلاً، يجب أن تتغلب حكمة الحكماء والعقلاء وأن تسود الرحمة قليلاً، لننتبه هذا المركز إذا لم ينقذ نفسه لن ينقذه أحد، سيؤدي إلى دمار في المنطقة وأنا متفق، هناك عقدة أساسية عسى أن يكون لأولاد هذه الأرض الحكمة القليلة والتسامح قليلاً والمحبة قليلاً والغفران قليلاً، ماذا نقول أمام ما هو مؤلم بالنسبة إلينا؟ نحن أولاد كما قلت لا سيما أدرك تاريخ أرضي من أيام الإنسان الأول من 10 آلاف عام حتى اليوم، نستحق أفضل من ذلك،لأنه ما هو من ألم يجعلنا أحياناً كالضائعين، نحن هنا نعيش على أرض أعرق حضارة، أعطينا الأبجدية.
دائرة الثقافة
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876