ثمة تقصير في ترجمة الكثير من الآداب العالمية إلى العربية ولاسيما أدب شرقي آسيا, أو لنقل بصورة أكثر تدقيقا وتخصيصا الأدب الصيني والهندي, على الرغم من العلاقات الثقافية والاجتماعية المهمة التي ربطت بينهما وبين الحضارة العربية منذ آلاف السنين وقبل أن يصل الادب الغربي إلينا, ومن لايذكر كيف تم استلهام ألف ليلة وليلة من الكثير من وقائع وحيوات هذه المنطقة وغيرها.
في المشهد الثقافي الحالي لا تكاد تقع على ترجمات كثيرة للادب الصيني, إلا ما قام به الراحل سعد صائب, وهذا يعني أن التقصير قد يكون متعمدا, وربما مازال الكثيرون من المترجمين يقعون تحت سطوة ما يسمى الثقافة والآداب المركزية أي الغرب, ولهذا أسبابه التي تندرج تحت عناوين شتى, لعل في اولها تأثير الاعلام الغربي على مسار الاداب في العالم.
جديد الترجمة والمختارات من الأدب الصيني, ما قدمه الدكتور عابد اسماعيل, وجاء تحت عنوان:ايروتيكا الشعر الصيني, وصدر عن دار التكوين بدمشق, يقدم الكتاب مختارات من الادب الصيني لاسيما في مجال الغزل, ويختار من مختلف العصور, وبقراءة نقدية معمقة يسبر أغوار تطور الغزل الصيني حسيا ومعنويا, ويقدم مقارنات بين مختلف العصور من خلال مقدمته النقدية, وعلى الرغم من عدم الإطالة فيها فقد استطاع عابد أن يقدم رؤية بانورامية مهمة تضع القارئ في أجواء ما سوف يقرؤه, منذ ألاف السنين إلى فترة قريبة من الشعر الصيني الذي يبدو طافحا بالدلالات والمعطيات الثرة, لايخجل الشاعر الصيني أن يذهب بعيدا في وصف المفاتن الجسدية للمحبوب, بل يرى البعض أنه أقرب الى الاباحية, لكن الأمر مختلف جدا, فهناك ومضة شعرية ذكية قادرة على التقاط مفارقات تعبق بالروح وإن كان الجسد مصدرها, وربما يذكرنا ذلك بالكثير من القضايا التي طفح بها الشعر الجاهلي العربي, لاسيما عند امرئ القيس والأعشى وغيرهما من صور ودلالات تغوص في وصف المفاتن الجسدية, لكنها تحمل بريق الروح.
القسم الاول من الكتاب جاء تحت عنوان: الاغاني, ومنه نقتبس, طلوع قمر أبيض يقول الشاعر المجهول:
القمر الابيض الطالع, هو سر جمالك البهي, يأسرني باللعنات, ممزقا قلبي, القمر الخفيف يحلق متلألئاً مثل سيدتي, يقيدني بأغلال الضوء \ حتى يتمزق قلبي, قمر متلفع بمجد أبيض, أنت الجميلة وحدك, ووحدك, ووحدك من يجرحني حتى يتمزق قلبي.
ومن نص حمل عنوان: لقاء في حقل للشاعر: لي باي, نقتطف قوله: أتى العاشق ممتطيا عربته \ يدهس زهور الطريق المتناثرة \ النهايات المتدلية لمحصوله \ تحتك بعربته من خمس غيوم ملونة \ ترفع ستارة اللؤلوء وتبتسم امرأة في الداخل ذاك بيتي تهمس, وتشير إلى منزل قرنفلي في البعيد.
ومن نص جميل حمل عنوان: رحيل: أرى حبيبي يمضي إلى جادة الشمس الحمراء \ هو يبكي, وانا ابكي, حتى الحوذي يبكي, أنت ايها الحوذي لماذا تبكي ؟
لأن ذاك الذي يرحل لايرحل, وذاك الذي يبكي ينخرط في البكاء, وانتما تتبادلان الغزل معا, بينما حماري يقف هنا ويتعذب.
أما الشاعر: تانغ يانبيغ ( 1962م) فيقول بنص عنوانه « صخرة سوداء:باحثة عن رجل يلحق بها العذاب \حسناء باسنان نمرة تبتسم \ وتعيش على حافة الانتحار \ صعبة المراس لاتجد سوى اليأس \ الأرض الخاوية والسماء البيضاء, عميقتان أكثر مما تتصور, هنا الصخرة كانت صخرة أيضا حين كانت على قيد الحياة \ لاسبب لتكره, لا سبب لتعشق لا أحد لتخلص له لا أحد لتهرب من براثنه, بقدر ما يجتاحها الحزن يجتاحها الفرح.
يقع الكتاب المذكورفي 310 صفحات من القطع الكبير وقد صدر بدمشق عن دار التكوين.
Yomn.abbas@gmail.com
يمن سليمان عباس
التاريخ: الجمعة 11-1-2019
الرقم: 16882