هل يستمر ماكرون في الحكم ؟

 

بعيداً عما تطلقه أغلب وسائل الاعلام على حركة السترات الصفراء بأنها وصلت مرحلة «اللهاث» , الأزمة الفرنسية أخذت تتفاقم لدرجة نتساءل فيها اذا كان ايمانويل ماكرون مازال قادراً على الحكم واذا لم يكن كذلك فهل من غير اللائق المطالبة برحيله؟

يبدو أنه من غير اللائق أن تكون احدى أمنيات العام الجديد هي رحيل الرئيس ماكرون وفيما خلا المتظاهرين أنفسهم فان القليل من المفكرين ورجال السياسة ممن تجرؤوا عل طلب ذلك صراحة واذا ما تجاوزنا تمرد النائب السابق جون فريدريك بواسون والباحث السياسي فرانسوا روفان هناك نوع من الخشية من التعبير عما يرونه لايمكن التعبير عنه لأنه ونظراً لما علمتنا اياه أزمة أجوبة السلطة ومن شخص الرئيس ذاته لم يعد لنا الحق طرح السؤال ثم إننا لم نقل يجب على الرئيس أن يرحل بالقوة أفلا يستطيع اتخاذ هذا القرار بنفسه؟
قبل كل شيء يبدو أن عدداً من المعلقين لديهم قراءة خاطئة لظاهرة السترات الصفراء حيث شبهوها بحركة فئوية كلاسيكية وهكذا بدؤوا يفسرون انخفاض عدد المتظاهرين مع تتالي أيام السبت بأن الحركة بدأت تلهث ، هذا التحليل غير وثيق الصلة بالموضوع.
فالاستياء الحاصل هو كالنيران في الغابة قد لا نرى كثيراً من شررها لكن طالما جمرها موجود فأي ريح ستحرق الغابة بأكملها هذه هي المعايير التي يجب النظر اليها.
السيئ في الأمر أن أساسيات الأزمة تفاقمت وأحد الأسباب ناتج عن تسويف السلطة فهي دوماً متأخرة عن الحدث وتماطل في اتخاذ اجراءاتها مدعية أن ماقامت به يكفي .
لقد أهمل ماكرون الحركة ولم يأت خطابه الأول الا بعد امتداد النار وازدياد الأمور سوءاً صحيح أنه أعلن عن حزمة اجراءات غير أن المطالب ذهبت أبعد من ذلك لأن المماطلة أثبت للستر الصفراء أن الحركة لم تؤخذ على محمل الجد من قبل السلطة التي روجت أنها تتعاطف مع المحتجين في الوقت الذي يقومون فيه بأعمال عنف كما سعت هذه السلطة مع حلفائها من وسائل الاعلام لدق اسفين بين الحركة والرأي العام لكن هذه الاستراتيجية التي يطبقونها بدقة لم تنجح بل أثبت للستر الصفراء ازدواج لعبة السلطة التي تمد يدا من جهة وتضرب بيد من جهة أخرى فالثقة اليوم مفقودة والجماهير الغاضبة توافقت مع أطوار هذه الاستراتيجية وبالنسبة لهم السلطة تهدف الى أمرين اضعاف صورتهم لدى الرأي العام وتشتيت الحركة.
المشكلة الأساسية أن هناك تضادا بين النموذج الاقتصادي – الاجتماعي الحالي وبين ما تطالب به السترات الصفراء الدولة المحكوم عليها بأنها فاسدة فهي لخدمة ما يسمى «فرنسا من الأعلى» حصراً ، وماكرون غير قادر على التغيير لأنه ليس صاحب السلطة بما ترمز اليه من ضمان النظام والعدالة هو شخص يؤمن بسياسته الخاصة ويتحدر من نخب التكنوقراط ليس لديه خاصية المرونة وصبر السياسيين المحترفين الذين خاضوا جولات من الانتخابات وضرباتها ويعرفون أنه يمكن ربح حروب وخسارة كثير من المعارك فهو لا رغبة لديه أن يكون كهؤلاء أيضاً على الصعيد النفسي ماكرون غير قادر على ذلك هو شخص ذكي لكن ليس لديه مرونة ذهنية لهذا السبب لن يتوصل لأن يكون سباقاً ولا أن يلفظ عبارة «لقد فهمتكم» لذلك لن يكون هناك تفاوض وستبقى رؤى الجهتين متعارضة الأولى تملك احساساً بالحماس دفعها لتحرك أكسبها ثقة هائلة بالنفس والأخرى مخادعة خرقاء ردت على اعقابها في مواجهة الحركة لإضعافها.
ماكرون عازم على المضي في سياسته لأنه غير قادر على قبول الهزيمة حتى ولو بشكل مؤقت ، السنوات الثلاث القادمة ستكون صعبة جداً على السترات الصفراء هم يعرفون ذلك وجاهزون لأي شيء فبعد السبت الأول من العام الحالي برهنوا على خواء رواية أن الحركة تلهث بل رأيناها ضمن فوضى منظمة أكثر محاولة تجنب وقوع العنف هي حرة تماماً في طريقها الى اضفاء الطابع المؤسساتي وبشكل كاف لإضفاء شرعية واضحة ، إن سلطة ثانية نوع من «سلطة أيام السبت» ، سلطة «الشعب العميق» تتوضع في المكان تواجه رئيساً ضعيفاً وقع في الفخ الليبرالي الذي أنشأه بنفسه ومخرجه الوحيد لن يكون إلا بإزالة الأسباب وهذا بعيد جداً فهو يعمل بطريقة ابتزاز كي يتخلى الرأي العام عن الحركة بعد أن يتعب ويعود الى الغيتو السياسي الذي خرج منه وهذا لن ينجح فمن الصعب إعادة الأمور على ما كانت عليه بعد انفلاتها وقد تزداد سوءاً بازدياد الحقد الجماهيري فلا نستطيع حل مشكلة كهذه بتفجير البراكين إنما بإيقاف دوافع الناس للخروج لهذه الأسباب مجتمعة من الأفضل أن يرحل الرئيس ماكرون فهل هو قادر على فهم ذلك؟
ترجمة مها محفوض محمد
عن مجلة كوزور

 

 

التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم