تأسست بلاك ووترعام 1996وكانت سابقا بلاك وتر يو إس أي، هي شركة تقدم خدمات أمنية وعسكرية للبنتاغون الاميركي وحلفائه، أي إنها شركة تستأجر المرتزقة (قتلة مأجورين بزي أميركي) لإسناد بعض الأنشطة الحكومية أو العسكرية الأميركية في منطقة شديدة المخاطر الأمنية. يمكن أن تتراوح الخدمات المقدمة من مراقبة المرافق إلى تدريب القوات وأنشطة الحراسة الشخصية، ويقدر رصيدها في السوق العالمي بـ 100 مليار دولار.
والولايات المتحدة هي الزبون الرئيسي لها لكن هناك شكوك قانونية معينة تحيط بنشاطات هذه الشركات التي تقول إنها لا تندرج تحت قانون النزاع المحلي أو الدولي، لذلك تشكل حالة غير مشروعة لعدم خضوعها لمواثيق الأمم المتحدة التي نصت على التزامات الجيوش المتنازعة أثناء الحروب واتفاقيات جنيف بخصوص المدنيين.
بلاك ووتر، أوالمياه المظلمة، تذكّر بالمياه السوداء في مستنقع غريت ديسمال سوامب، وهو مستنقع ذو مساحة 45 ألف هكتار بين فيرجينيا ونورث كارولينا، في مقاطعة كامدن، حيث يقع مقر الشركة وربما الاسم يأتي أيضا من أنها أصبحت قوة ظلام لأول شركة بجيش خاص في العالم، والتي تقيم الكثير من الروابط مع المحافظين الجدد. ولفهم صعود بلاك ووتر، من الضروري استكشاف التاريخ الشخصي لمؤسسها، ولد إريك برنس عام 1969 في هولندا بميشيغان، وهو من عائلة ثرية للغاية في الولاية. وقد حقق والده إدغار وهو من قدامى المحاربين في القوات الجوية الأميركية، ثروته من خلال تأسيس شركة متخصصة في تصنيع قطع غيار السيارات، (برنس كوربوريشن) في عام 1965، ما جعله مليارديرا. وفي أوائل الثمانينات، كان لدى الشركة بالفعل عدة آلاف من الموظفين وتوسعت في هولندا، لتمول تطوير مركز عاصمتها ودعم جامعتين في المدينة.
أحد الأثرياء المؤيدين للحزب الجمهوري الأميركي وخاصة في اليمين المتطرف ومن أتباع السوق الحرة والداعية ديك ديفو تزوج من ابنته الكبرى وهي أيضا من المؤيدين لليمين الديني الأميركي ولطالما قامت شركته بتمويل الحركات اليمينية المتطرفة.
فكانت العائلتان من بين الممثلين الرئيسيين لمنتدى عائلة ميشيغان (MFF)، الفرع المحلي للتركيز على الأسرة، جيم دوبسون، وهي منظمة قوية للغاية من اليمين الديني.
وفي هذه البيئة كبر إريك برينس، وبعد المدرسة الثانوية التحق بالأكاديمية البحرية لكنه استقال بعد بضعة أشهر للتسجيل في كلية هيلزجيت في ميشيغان، وهي أكثر مؤسسة محافظة في البلاد حسب التصنيف الرسمي. وعندما كان عمره عشرين عاماً ونيف كان برينس الابن مخلص لكل ما يتعلق بأفكار والده. وفي عام 1992، أيد بحرارة حملة بات بوكانان التي تتحدى الرئيس بوش الأب للترشيح على رأس الحزب الجمهوري، والذي يقدم نفسه ببرنامج اليمين المتطرف. وفي العام نفسه، انضم إيريك برنس إلى فرقة الكوماندوس الخاصة بالبحرية، وخدم بدوره في هايتي والشرق الأوسط والبوسنة، ومن بين الرفاق السابقين له في الكوماندوس وظّف أول جنوده عندما أسس بلاك ووتر.
في آذار 1995، توفي والده فجأة بنوبة قلبية. ترك الجيش، وعاد إلى هولندا لتولي مسؤولية شؤون الأسرة. وبعد عام، وبعد عدد لا يحصى من المجالس العائلية، قرر برنس الابن بيع شركة والده إلى مجموعة جونسون كونترولز بمبلغ 1.35 مليار دولار، مدفوعة نقدًا. إذ كانت تبلغ حصة إيريك برينس 500 مليون دولار. ثم انتقل إلى إنشاء مركز تدريب خاص للعسكريين وأجهزة أمنية أميركية مختلفة.
ولفهم هذا المشروع، يجب علينا العودة إلى السنوات 1989-1993. في ذلك الوقت، شغل ديك تشيني – نائب الرئيس جورج دبليو بوش المستقبلي – منصب وزير دفاع جورج بوش الأب. ولأسباب تتعلق بالميزانية، تعهد بتخفيض الميزانية العسكرية على نطاق واسع، وإلغاء برامج المعدات الأكثر كلفة وتخفيض عدد الجنود من 2.2 مليون إلى 1.6 مليون. والأهم من ذلك، أنه بدأ بالتعاقد الخارجي مع شركات مدنية متعاقدة مع الجيش على عدد من المهام الأساسية، ولا سيما في مجال النقل والإمداد، لتمكين الجيش من الخروج من الأرض والتركيز على العمليات القتالية. في عام 1992، عهد ديك تشيني إلى شركة Brown & Root، وهي شركة تابعة لشركة هاليبرتون، بإجراء دراسة سرية لتحديد كيفية قيام الجيش بخصخصة الخدمات اللوجستية، من القوات العاملة إلى غسيل الملابس. في العام ذاته 1992، تم توقيع عقد أول مع شركة هاليبرتون التي قام تشيني بإدارتها بين عامي 1995 و 2000 – لتولي، طوال خمس سنوات، جميع الخدمات اللوجستية للجيش الأميركي في المسارح الأجنبية للعملية.
هذه التطورات لم تفلت من اريك برنس، عندما أنشأ شركة بلاك ووتر في عام 1997 حصل على قطعة أرض على بعد أكثر من 24 كم في مويوك، ولاية كارولينا الشمالية، ليست بعيدة عن قاعدة نورفولك البحرية، كان يعلم أن هناك سوقاً لتقوم به شركة المرتزقة، لقد أدى التدريب العسكري الأميركي فيها بالفعل إلى تخفيضات الميزانية التي قررها تشيني.
وبفضل صلات برنس في الجيش، وأيضاً تلك التي كان والده وأسرة ديفوس قادرين على نسجها في الحزب الجمهوري، سرعان ما حصلت الشركة الجديدة على عقود مع الجيش ومكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة. وجاءت نقطة التحول عام 1999 بعد مجزرة مدرسة كولومباين الثانوية في كولورادو – حيث اثنا عشر تلميذاً من طلاب المدارس الثانوية ومعلم واحد قتلوا على يد اثنين من رفاقهم المدججين بالسلاح. وفي الأسابيع التالية، وقعت بلاك ووتر على عقود مع مدارس الشرطة الرئيسية لتنفيذ التدريب على التدخل في المدارس. في أوائل عام 2000، غدت بلاك ووتر شركة خاصة بالداخل الاميركي كشركة رابحة بالفعل حيث اقتصر نطاق أنشطتها على وضع برامج تدريبية في التصوير أو الاستجابة للطوارئ. ولكن حدثين غيرا مصيرها:
ففي تشرين الأول 2000، تبنى تنظيم القاعدة هجوما انتحاريا على المدمرة USS Cole في ميناء عدن. ففازت «بلاك ووتر» بعقد قيمته 37 مليون دولار مع البحرية لتدريب قوة حماية. في ذلك الوقت وبالذات حدثت هجمات 11 أيلول2001. وظهور حروب جورج بوش الابن ضد الإرهاب، حرب انتشرت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أفغانستان والعراق. وأثارت أحداث ( 11أيلول) تسريع برنامج الخصخصة الذي أطلقه ديك تشيني وتسلمه وزير الدفاع الجديد دونالد رامسفيلد وخصص البنتاغون 100 مليار دولار للشركات الخاصة لمساعدة الجيش في حملتهم ضد الإرهاب.
منير موسى
التاريخ: الأربعاء 23-1-2019
رقم العدد : 16892