نجاح محور المقاومة في دحر الإرهاب وإصابة السياسات الأميركية بالهواجس من عدة نواح سيجعل أميركا ومن معها في تحالفها يحثون الخطا باتجاه البحث عن سيناريو أخطر للمنطقة، وهي التي دعمت التنظيمات الإرهابية في سورية وعلى رأسها داعش، ويأتي في جزء من ذلك الاعتداءات الإسرائيلية التي أخذت الإذن من «الدولة العميقة» في الولايات المتحدة بالقتل والعدوان.
وثمة مقاربات عديدة تصاحب الاعتداءات الصهيونية منها أن البنتاغون يرسل قوات أميركية إضافية إلى سورية بزعم تأمين انسحاب عناصره، بعد تصريحات سورية تعلن النية في الرد بالمثل على تلك الاعتداءات الصهيونية، فأين قرار الانسحاب الأميركي من سورية..؟
هناك تصريحات أميركية لا تحتاج لفك رموز تزعم بدء سحب المعدات مع بقاء القوات الأميركية، وجاء ذلك على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز التي قالت إن الانتصار على «داعش»، لا يعني نهاية عمل التحالف، وطبعاً الذريعة التفجير الانتحاري الذي أدى إلى مصرع 4 أميركيين في منبج.
ولا شك أن الاعتداءات الإسرائيلية على سورية ذات صلة وثيقة بالتدخلات التركية شرق الفرات وبدعم أميركي لإشغال الجيش العربي السوري شمالاً من خلال تركيا والمجموعات الإرهابية ، وجنوباً من خلال إسرائيل، ولذلك نجد أن الوضع يتدهور بسرعة في إدلب بسبب سيطرة جبهة النصرة الإرهابية شبه الكاملة على المحافظة، والاعتداءات المستمرة منها والتي تمثل تهديدا للمدنيين ولوحدات الجيش العربي السوري وللقوات الروسية في قاعدة حميميم، وهذا يدفع إلى التشكيك باتفاقية نزع السلاح التي أبرمتها تركيا وروسيا في أيلول الماضي، والتي أرجأت عملية للجيش في إدلب، ومن هنا تتعدد السيناريوهات الأميركية لأن انتشار جبهة النصرة الإرهابية الآن أمر يدعو إلى الريبة، فسيطرتها شبه الكاملة على إدلب جعلتها تتحضر لمواجهة مباشرة مع الجيش ولا سيما أنها باتت على تماس مباشر معه في نقاط عديدة.
ويضاف إلى ذلك أن أميركا طالبت دولا عربية بإبطاء عودة سورية إلى الجامعة العربية، وتطرح عودة التفجيرات الإرهابية إلى بعض المناطق السورية في «اللاذقية ودمشق» عدة مؤشرات تدل على نية حلف العدوان بإعادة خلط الأوراق، رغم أنها دليل على فشل الجماعات الإرهابية في تحقيق مهمتها الأطلسية، وهي محاولة لإثبات ذاتها على مسرح الإرهاب بدعم من تركيا وإسرائيل، وعلى نية الادعاء بأن الأزمة في سورية لمّا تنته، ثم يأتي قيام الاتحاد الأوروبي باختراع قائمة عقوبات بأسماء لسوريين ولشركات سورية متخصصة في الإعمار، وقيام قنوات إعلامية لحلف العدوان بتضخيم أي حدث عادي يحدث في سورية مثل موت طفل رضيع بمتلازمة الموت المفاجئ والتهويل به، أو انقلاب سيارة أو حدوث حريق، بل وصل الأمر إلى حد فبركة فيديوات عن متسولة في تركيا زعموا أنها سورية ليتبين بالدليل القاطع أنها تركية ولتسحب القناة الفيديو مدحورةً، ومئات الفيديوات والصور الملفقة التي تريد النيل من انتصار سورية وتشويهه، وتضخيم تداعيات سبع سنوات من الحرب على الإنسان السوري لتحميل حكومته مسؤولية ما نجم عن الحرب الأطلسية الإرهابية، وكل ذلك لأن حلف العدوان لا يريد إعماراً في سورية ولا استقراراً لشعبها، بل زيادة الحصار والتضييق عليه بالعقوبات الغربية لمعاقبته على صموده خلال سني الحرب.
سورية ستواصل الحرب على الإرهاب وستردع داعميه مثل تركيا التي نظامها هدفه « في سورية تأسيس البنية التحتية» وحماية المواطنين، لنجد على مقلب زيارة أردوغان إلى روسيا أن كل تصريحات أردوغان أمام بوتين مجرد كلام في الهواء، فالرئيس التركي يتعاون مع أعداء سورية لمنع استقرار سورية، وحتى الآن لا يبدي أي تعاون مع روسيا إلا بالكلام بعيدا عن الالتزامات والأفعال، وحديثه خلال لقائه مع بوتين عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية إنما يريد لتنظيمه الإخواني أن يتغلغل في سورية من خلالها، وكلامه عن إدلب مضيعة للوقت لمصلحة الإرهابيين، إذ تعمل تركيا على التصعيد داخل الأراضي السورية، ما قد يؤدي إلى اندلاع اشتباك بين الجيش العرابي السوري وتركيا والذي من شانه أن يؤدي إلى حرب إقليمية، ربما تريدها إسرائيل ومن وراءها، وخاصة أن الكيان الصهيوني يصعّد بعدوانه على سورية وقد نشر ما يسميه القبة الحديدية فوق تل أبيب أمس، لاستشعاره أن سورية يمكن أن تمارس حقها الشرعي في الدفاع عن النفس والرد على العدوان بالطريقة نفسها، إذ يقترب الكيان الصهيوني بالتنسيق مع تركيا وأميركا من «حافة الهاوية»، مقامراً بإشعال حرب شاملة لا أحد سيكون بمقدوره وقف تدهورها والانزلاق فيها إن حدثت، وكل ذلك كي لا تستقيل حكومة رئيس وزراء العدو نتنياهو، وأردوغان يترقب.
في القمة الأخيرة بين بوتين وأردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران أوائل أيلول الماضي قدم أردوغان مزايا اقتراحه بشأن «منطقة أمنية» شمال سورية، وبالأمس أعاد الفكرة نفسها لحماية الإرهابيين ومنع سورية من استعادة سيادتها على كامل أراضيها، وخاصة في ظل احتمالية تنفيذ القرار الأميركي بسحب القوات الأميركية من شرق الفرات وهي الموجودة بشكل غير شرعي، ولكأن أردوغان يريد أن يكون وقف القتال في سورية على حساب محاربة الإرهاب وبعيداً عن القرار الأممي رقم 2254 وعلى أساس احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية.
منير الموسى
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894