ثمة رغبة أميركية جامحة لاستعداء العالم كله، حتى لو اضطرت للانسحاب من جميع الالتزامات والمواثيق الدولية، ولا فارق في سجلِّ علاقاتها بين صديق أو حليف أو مجاور، لأن منطقها يقوم على الربح دون الالتفات لطبيعة الخسارة، وتراها تناور بشكل مستميت لتحصيل ما أمكن، حيث المهم ألا تخرج خالية الوفاض أو صفر اليدين، من أي مكان تطؤه قدماها، بعد محاولتها إثبات جميع الادعاءات الباطلة واختراع المبررات للمماطلة والبقاء.
على الأراضي السورية وبحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي أنشأته وساهمت بانتشاره دون غيرها، تتبع أميركا النهج ذاته الذي عُرفت به، حيث تنبش جمره من تحت رماد (قسد) كي تبقى لفترة أطول، لذا تقوم بإعادة مرتزقته الذين هرّبتهم قبل أشهر إلى إفريقيا واليمن وليبيا وغيرها من الأماكن، بهدف زرعهم على الحدود السورية العراقية، ظناً منها أنها سوف تنفخ الروح فيهم من جديد، أو تعطيهم الزخم لشن هجمات معاكسة، غير مدركة أن نجمهم أفُل وخرافتهم تلاشت، وبات التهديد فيها سراباً.
ومن شرق العالم إلى غربه تختلق واشنطن الأزمات وتؤجج نار الفوضى والانقسامات، وتضع الشعوب والحكومات على فوهة بركان، حيث لم يشبع نهمها ما فعلته في سورية وبعض الدول العربية، حتى نقلت فتيل حقدها وغطرستها إلى جوارها، وما يجري في فنزويلا صورة طبق الأصل عما نشهد آثاره التدميرية في المنطقة، وهو ما يؤكد تمادي إدارة ترامب وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ويشير إلى السياسات التخريبية التي تتبعها في مختلف البقاع، والتي تؤدي إلى التوتر وعدم الاستقرار، الذي سيخلف عواقب كارثية على حياة الشعوب واقتصادها.
اليوم أميركا ومن ركب موجتها في فرنسا وبريطانيا، يعانون أزمات داخلية خانقة، وتراهم يريدون الهروب منها، وتحييد أنظار شعوبهم إلى مواضع أخرى، ولهذا لجؤوا للتخريب في فنزويلا، وطفا على السطح غيابهم اللافت عن مؤتمر دافوس الاقتصادي، فدونالد ترامب منشغل بقضية الإغلاق الحكومي التي دخلت شهرها الثاني، ويعاني هواجس ما تسببت به من شلل لمؤسسات بلاده الفيدرالية، ومصير مئات آلاف العاملين فيها الذين باتوا تحت رحمة بيته الأبيض، بينما إيمانويل ماكرون الفرنسي يرتعد من تداعيات السترات الصفراء، وما سينتج عن حراك المحتجين الذين يرفعون سقف مطالبهم يوماً بعد آخر، وذلك في الوقت الذي يقض فيه مخاض بريكست مضاجع تيريزا ماي البريطانية، وما سيورثه انسحابها من الاتحاد الأوروبي على بلادها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وذلك بالتزامن مع قيام أردوغان بالبحث في الوقت الضائع عن حلول في فضاءات موسكو تنتشله من ركام خيباته.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894