سأل أحد الخبراء الأمريكيين زميله بعد الانتهاء من مقابلة أحد السوريين المتقدمين للحصول على فرصة عمل كيف يسمح بلد لهذه الخبرات بالخروج منه ؟
أهّلت سورية عدداً كبيراً من الخبراء والفنيين والأدمغة، داخل سورية وخارجها ولكن المشكلة أن الحكومات المتعاقبة لم تضع خططاً للاستفادة من خبراتهم رغم أن تكلفة تأهيلهم كانت كبيرة جداً، ويعتبر عدم الاستفادة من خبراتهم أكبر هدر للمال العام، واليوم ندخل الى كثير من المؤسسات نجد فيها عدداً كبيراً من المهندسين والفنيين يقومون بأعمال إدارية رغم الحاجة الكبيرة لخبراتهم في كثير من المؤسسات، وهناك عدد كبير من الموفدين المتخصصين الذين عادوا الى البلد وتم زجهم في جبهات القتال دون النظر في تأهيلهم وإمكانية الاستفادة من اختصاصاتهم في أماكن أخرى الأمر الذي دفع بالكثيرين للخروج من البلد تارة او عدم العودة إلى البلد تارة أخرى .
أكبر هدر للمال العام يتم في عدم الاستفادة من الخبرات في مواقعها أو المحافظة عليها، وأهم أكثر بألف مرة دراسة وضع هذه الخبرات ومعالجة وضعها من دورات الجدارة القيادية العشوائية التي تمت لأشخاص نسبة كبيرة منهم ممدد لهم او على أبواب التقاعد، وهناك من يسأل ما الحكمة من إخضاع مدراء ممد لهم لدورة جدارة قيادية ؟ كم من المال العام تم إهداره لإحضار هؤلاء الخبراء الى دمشق كل أسبوع ؟ كم من الأعمال تعطلت بسبب سفرهم الدائم الى دمشق لحضور الدورة ذات البرامج غير المدروسة ؟ كم من المال تم إهداره؟ نفقات سفر وإقامة وإطعام لهولاء في زمن نبحث فيه عن تأمين موارد للخزينة، هذه الأسئلة لا تقلل من دور هولاء الأشخاص ومساهماتهم ولكن تستفسر عن إمكانية الاستفادة من خبراتهم ؟
كثير من المشاكل الفنية التي عانت وتعاني منها تجهيزات المؤسسات والشركات في الأزمة تم تجاوزها بالخبرات الوطنية وأبعد من ذلك هناك ابتكارات وحلول أوجدها الخبراء السوريون وفرت الكثير من المال العام وهذه الأدمغة لا تطالب إلا بإنصافها ووضعها في المكان المناسب واحترامها .
التخطيط لمستقبل سورية أفرز الكثير من الكوادر من خلال النظام التعليمي، وساهمت المؤسسات في تكريس خبرات قل نظيرها ولكن النمط الإداري والتشريعي أهمل وتمادى في تبديد وتطفيش هذه الخبرات و هذا يعتبر أكبر هدر للمال العام والتفريط بثروات قلّ نظيرها ودفعت الدولة كثيراً لتأهيلها.
معد عيسى
التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019
الرقم: 16896