يزداد الحديث بين الناس عن روح العمل الجماعي، وذلك في ظلّ ما يعانونه في واقعهم من مشاكل وتعقيدات، ليست متعلقة بتأمين لقمة العيش فقط، وإنما أيضا ما تركته الحرب من ضغوط على مختلف مناحي حياتهم الصحّية والنفسية والاقتصادية.
ويتساءل الجميع حول دور المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني في تنمية روح العمل الجماعي لدى الأجيال، وتتضمن توصيات أي ورشة حول الأسرة أو الشباب أكثر من بند عن دور المدرسة والمؤسسة التربوية عموما في تدريب وتنمية روح العمل الجماعي بين الطلاب والطالبات.
فهذا الواقع الصعب المشحون بمختلف أشكال الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي من المهم العمل على مواجهته، من خلال زرع روح التعاون والانفتاح بين الطلاب والشباب، في إطار العمل الجماعي والتطوعي، ليتقبل بعضهم البعض الآخر، ويسمع بعضهم للبعض الآخر، فالتنوّع في المعتقدات والخلفيات العلمية والاجتماعية، لابدّ من أن يكون سبباً للوحدة، كما لابدّ من التأسيس عليه لمزيد من الانفتاح والعطاء، فلا ينفر بعضنا من البعض الآخر، أو نقطع العلاقة معه على أساس انتماءٍ معيّن أو فكرة معيّنة.
لكن العمل الجماعي يحتاج لبرنامج يضم التدريب كما يضم نوعية الأعمال الجماعية، وهذا إن كانت فكرته قائمة في المناهج الجديدة، من خلال مشاريع الطلاب منذ المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، إلا أن الامكانية الفنية لتطبيقه ليست جاهزة بعد، تقول السيدة هناء كان على ابني وأقرانه في الصف جمع النباتات البرية في المحيط، لكن التنفيذ لم يكن بشكل جماعي، وما حصل أن كل طفل خرج بشكل فردي وجمع النباتات بمساعدة أحد أبويه، وتضيف مديرة الإعدادية المجاورة، هناك مشاريع تخلق روح العمل الجماعي كأن يجمع الطلاب معلومات من الأنترنت عن قضية يختارونها بمساعدة مدرس المادة، لكن عدم توفر نت في المدرسة أو عند الجميع يحول دون تنفيذها بشكل جماعي.
هنا يمكن القول :إن خلق الروح الجماعية وتعزيزها وتنميتها بكلّ الوسائل المتاحة، لا بدّ أن يكون عبر برامج تربوية واجتماعية واعية ومسؤولة، تهدف إلى زرع التعاون بين الأجيال، من خلال تدريبهم على إقامة أنشطة متعلقة بدروسهم نفسها، أو حوارية أو ثقافية حول مواضيع متنوّعة، وفسح المجال للجميع للمشاركة وإبداء الرأي، وتدريبهم أيضاً على القيام بأنشطة تطوعية إنسانية واجتماعية وصحّية، لتعليمهم أهميّة الشعور الإنساني في الواقع عبر الممارسة، من خلال جمع التبرعات، أو زراعة حديقة المدرسة، وإقامة نشاطات تعليمية، لتعريف الجميع بمناطق بعضهم البعض، وكسر حاجز الخوف من الآخر، وتقوية الثقة بالذات، والتعويد على حبّ الغير، وفتح آفاق التسامح.
إنّ العمل الجماعي يفتح المجال أمام كلّ الطاقات والقدرات، ويؤسِّس لنزع القلق والتوتّر من كلّ الأجواء المشحونة التي تتسبّب بالمشاكل الكثيرة، تقول إحدى الموجهات: لم أعرف سبب شغب مجموعة من الطلاب وعدم التزامهم بالدراسة، إلا بعد أن اتفقت معهم على رعاية بعض النباتات في غرف الإدارة وتنظيف الممر، فعرفت من أحدهم أن أبويه مطلقان، ومن الآخر أن والده سافر ولم يعد يسأل عنهم وأنه يعيش في بيت جده لأمه مع الكثير من أفراد العائلة ولا يستطيع الدراسة، وتضيف أن المدرسة لم يعد دورها مقتصراً على الجانب التربوي فحسب، بل يتعدّاه إلى المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية لطلابنا، من خلال طاقاتهم وما يملكونه من إبداعات وإمكانيات، فالانخراط في العمل الجماعي يعزِّز روح المسؤولية والعمل التطوعي عند الطالب تجاه مجتمعه، ليصبح أكثر تقبّلاً للعمل الجماعي المتعاون، ويعزّز روح المسؤولية العامّة لدى الجميع، وينمّي روح المبادرة .
لكن ذلك يحتاج لتحسين مستوى أحوال المعلمين، كما يحتاج لدعم تدريبهم وبناء شراكات بين المدرسة ومبادرات المجتمع المدني.
لينا ديوب
التاريخ: الأربعاء 30-1-2019
رقم العدد : 16897
التالي