«الأبدية ليست شيئاً آخر، بالنسبة للفكر، بهذا المعنى، ليس الماضي الذي يقيم، وإنما الحقيقة هي التي لاتمضي».
في فيلم (على عمق ألف قبلة، تبحث «ميا» عن لحظات الحقيقة التي شكّلت ماضيها محاولةً فهم اللحظة الحالية التي تحيا.
تنبش في ذكرياتها، التي تأتيها تباعاً، عبر المصعد الكائن في بناء بيتها لينقلها من زمن إلى آخر..
على هذا، كان «المصعد» أداة الماضي، أو أداة الذاكرة وصولاً إلى الحاضر..
لعبة لجأ إليها كاتب نص الفيلم أليكس كوستانوفيتش وكما لو أنه أراد الولوج إلى الزمن انتقاءً لأحداث مفصلية تبلور وعي المرء بلحظته الحالية التي يحيا..
فهل نحن من نشكّل ذكرياتنا بحيث يكون لنا ذاكرة اختيارية، أم أنها هي التي تشكّل مفاصل وعينا بماضٍ كان..؟
بالنسبة للبعض، ومنهم الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل «الماضي لا يوجد بالنسبة لنا إلا في الحاضر أو داخل الحاضر: فهو لا يوجد، وتلك هي مفارقة الذاكرة»..
إذاً.. لا زمن ماضياً سوى عبر تسريبات الذاكرة قياساً لتاريخ كل منا فردياً وشخصياً..
هكذا يتلخص الماضي ضمن مساحات من التذكّر مسترخياً في حوض الذكريات لا أكثر.
حسب سبونفيل يأتي التساؤل: «ما هذا الزمان الذي ما يفتأ في المضي إلا شريطة أن ينشد الإقامة، ولا يقيم إلا شريطة أن ينساب، والذي لا يوهب نفسه، في النهاية، إلا في ظل تجربة الهروب»..
الزمن لا يكفّ عن الانفلات.. «انفلاتٌ بين عدمين».. العدم الأول هو الماضي فلا وجود له لأنه غير كائن بالمرة، والعدم الآخر هو المستقبل والذي لم يحن بعدُ وجوده.
إذاً الزمن «الحاضر وحده الموجود» وهو ما يميل إليه سبونفيل ويعبر عن ذلك بقوله: «الشيء الموجود هو الحاضر بوصفه الزمن الوحيد الحقيقي»..
انفلاتات الذاكرة وتسريباتها، لعلها تشكل مرجعاً لأحداث تمفصل حياة المرء منا، لكنها ليست برهاناً على تصاعدٍ زمني يمر بنا عن طريق التسلسل.. إنما دليل على بقعٍ من حياة لا غير.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 31-1-2019
رقم العدد : 16898
السابق
التالي