يبدو الحضور التركي على أجندة التصعيد الأميركية ضد إيران أمراً مطلوباً وضرورياً انطلاقاً من الموقع والدور الكبير والمهم الذي تلعبه أنقرة في مصفوفة العبث بعناوين وحوامل المنطقة خدمة وانصياعاً للمشروع الصهيو-أميركي الذي يهدف في أبعاده إلى تدمير وضرب كل الدول والقوى الرافضة والمناهضة للسياسات الاستعمارية الأميركية.
إلا أن السؤال الأهم الذي يدفع بنفسه إلى السطح في هذا السياق يتعلق بقدرة وجاهزية النظام التركي للانضمام إلى منظومة التصعيد والتحشيد ولعب الدور الذي سوف يناط إليه، في ظل سلسلة الأزمات والانزياحات التي ضربت المشهد الدولي والإقليمي والتي جعلت من التركي في حالة من انعدام الوزن والأفق الذي انعكس تخبطاً وتشتتاً وتوتراً على سلوكه على الأرض أمام هذا الكم الهائل من التحولات الجارفة التي أجبرته على التنقل بين الأحضان والقفز من ضفة إلى أخرى في وقت سادت فيه حالة السخط من سياساته ومواقفه، وخاصة من الأطراف الحليفة له في دعم الإرهاب حيث دخلت معظمها في كباشات وخلافات وصراعات معه كنتاج طبيعي لتداعيات وارتدادات هزيمة المشروع الصهيو-أميركي في سورية وانقلاب المواقف والسياسات لبعض أطراف الإرهاب.
صحيح أن تركيا حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا انطلاقاً من ترابط وتقاطع المصالح والأهداف والأدوار التي تجمعهم في بوتقة حلف الناتو، وصحيح أن أنقرة حليفة للسعودية والخليج بشكل عام، وهذا الجامع المشترك في الأهداف والغايات قد يشكل قاعدة للتصعيد ضد إيران وقد تكون مقدمة لقيام عمل عسكري ضدها فيما بعد، لكن لا يمكن لأحد تجاهل الاختلافات والخلافات والثارات المتجددة بين تلك الأطراف كما لا يمكن لأحد أيضاً تجاهل العلاقات الإيجابية بين تركيا وإيران خصوصاً العلاقات الاقتصادية.
فالتركي على خلاف واضح مع الأميركي حول العديد من الملفات والقضايا ولا سيما الملف الكردي والدعم الأميركي المعلن للميليشيات الكردية التي تدور في الفلك الأميركي والتي تعتبرها أنقرة خطراً كبيراً عليها، هذا مع اليقين بأن أردوغان لم ينسَ دعم واشنطن وبعض دول الخليج لانقلاب 2016 ضده والذي كاد أن يطيح به. كذلك مع السعودي والإماراتي، فالتركي على خلاف معلن معهما برغم محاولات إخفاء وتجميل هذا الكره والحقد المتبادل الذي بدأ يتقد إثر دعم النظام التركي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بالتعاون مع الحليفة قطر للعبث بالمشهد المصري والتونسي والليبي، دون أن ننسى التوتر القائم على إثر ذلك بين النظام القطري وأنظمة الخليج بشكل عام والدعم التركي للنظام القطري في أزمته مع مشيخات الخليج.
حال النظام التركي مع الولايات المتحدة ودول الخليج لا يختلف كثيراً عن حاله مع الدول الأوروبية في ظل الحضور الدائم للحلم والطموح التركي بالانضمام إلى الأسرة الأوروبية على طاولة الحوار بين أنقرة وأوروبا عند كل اجتماع ولقاء بين الطرفين إلى درجة أن هذا الأمر بات بتراكماته التاريخية يشكل عقبة دائمة أمام أي تطور للعلاقة بين تركيا وأوروبا، حتى أن موضوع الانضمام إلى أوروبا استغله النظام التركي على أكمل وجه لجهة الابتزاز والاستثمار في هوامش وفراغات المشهد التي خلفتها التحولات والانزياحات الكبرى في المواقف والسياسات التي ضربت المنطقة والعالم خلال المرحلة الماضية.
هذا الواقع المعقد بمعادلاته وقواعده التي خلقت تجاذبات واصطفافات جديدة يجعل من حضور التركي ضمن التشكيلة الأساسية لمحور الإرهاب للتحشيد والتصعيد ضد إيران أمراً ضرورياً جداً، وهذا ما قد يفتح الباب واسعاً على فرضيات واحتمالات كثيرة من بينها استحضار سياسة المتاجرة والبيع والشراء وتقديم الصفقات والتنازلات المتبادلة بين أطراف الإرهاب تحت القيادة والإدارة الأميركية، لكن هل تطبيق ذلك ممكن على الأرض؟.
في الواقع وبحسب المعطيات والمعلومات والانزياحات المتدحرجة التي تجتاح المشهد السياسي يبدو تطبيق ذلك أمراً مستحيلاً لأن مشاركة النظام التركي بأي عملية سواء أكانت عسكرية أم مجرد ضغوطات سياسية واقتصادية ضد طهران سوف يكون مقدمة للذهاب بالجميع إلى حافة الهاوية، لأن من شأن ذلك أن يشعل حرباً عالمية ثالثة في ظل حالة الاصطفافات الإقليمية والدولية المعلنة والواضحة على إثر هزيمة واشنطن وشركائها وانتصار دمشق وحلفائها.
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899