على وقع حالة التحريض الصهيوني المستمرة ضد إيران بذريعة خطرها الافتراضي على أمن ووجود إسرائيل.. وفي ضوء عملية التحشيد الأميركية الموازية لها على نية استهداف الجمهورية الإسلامية تحت عناوين نووية وصاروخية وأخرى تتعلق (بنفوذها) المبالغ فيه في المنطقة، ثمة أكثر من سؤال يطرح نفسه وخاصة في ظل القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، فهل هي مجرد حملة إعلامية تضليلية لتغطية عار الهزيمة العسكرية لمنظومة العدوان في سورية أم أنها حلقة جديدة من حلقات استهداف محور المقاومة بجزئه الإيراني بهدف التشويش على ألق الانتصار الذي حققته سورية ومحورها المقاوم ضد الإرهاب وإنكار هذا الانتصار ومنع تكريسه بخطوات واستحقاقات أخرى على مستوى المنطقة..؟!
المراقب للتطورات الميدانية والسياسية التي جرت في منطقتنا منذ بدء ما يسمى (الربيع العربي) المزعوم عام 2011 وربما قبل ذلك بسنوات عديدة، يدرك تماماً أن محور مقاومة إسرائيل والهيمنة الأميركية والمشاريع الأجنبية المرتبطة بهما كان المستهدف الأول والأخير من موجة الحروب والأزمات التي اجتاحت المنطقة بدءاً بغزو العراق مروراً بحرب تموز العدوانية على لبنان وصولاً إلى الحرب الإرهابية المستمرة على سورية منذ نحو ثماني سنوات وما بينهما الكثير من الضغوط والعقوبات والتهديدات والاعتداءات، حيث تولى الإعلام الغربي والمسؤولون الغربيون بأنفسهم فضح النوايا والأهداف الحقيقية لسياساتهم العدوانية تجاه دول وشعوب المنطقة وخاصة أولئك الرافضون لسياسات الهيمنة والإملاءات الأجنبية، ولعله من المفيد هنا التذكير بما قاله الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عام 2003 بعد دخول قواته الغازية إلى بغداد بخصوص نية الزحف نحو كل من طهران ودمشق لإخضاعهما، ولكن غرق الأميركيين ومن معهم آنذاك في المستنقع العراقي أجهض هذا المشروع وفرض على رعاته انسحاباً (تكتيكياً) على نية التحضير لمشروع آخر يعوض الخسائر التي لحقتهم في العراق، فكان الكشف عما يسمى (الفوضى الخلاقة) التي انطلقت منذ ثماني سنوات بهدف إعادة صياغة المنطقة ورسم خرائطها وفق (سايكس بيكو) جديد، تمهيداً لفرض الاستسلام على شعوبها ودولها المقاومة للمشاريع الأجنبية.
فمنذ بداية الحرب الإرهابية على سورية عام 2011 أعلن أصحاب مشروع (الفوضى الخلاقة) وأدواتهم بشكل واضح عن أهدافهم الحقيقية، وكان في مقدمتها ضرب محور المقاومة وتفكيكه لتسود إسرائيل وتستكمل مشروعها التوراتي الذي ساهمت سورية بإفشاله ومنع قيامه على مدى أكثر من سبعين عاماً، ولخدمة هذا الهدف فتحت الحدود أمام شراذم الإرهابيين والتكفيريين والقتلة المأجورين القادمين من أربع جهات الأرض للدخول إلى سورية باعتبارها واسطة عقد المحور المقاوم لتحقيق الهدف المنشود، الأمر الذي فرض على مكونات محور المقاومة (سورية إيران وحزب الله) مواجهة قاسية ومشتركة على مساحة الجغرافيا السورية مع أدوات هذا المشروع الإرهابي ورعاته الإقليميين والدوليين، وجرت معارك قاسية لتتوالى الإنجازات العسكرية والميدانية من منطقة سورية إلى أخرى، وكان اللافت أن المواجهة كانت تنتقل من منطقة إلى أخرى تبعاً للظروف وتبعاً لمخططات الأعداء المتغيرة التي لم تعبأ بأرواح المدنيين وأرقام الضحايا ولا بمساحة الخراب الذي تسببت به، فمن محافظة حمص التي كان الهجوم عليها في البداية عنواناً لتقسيم سورية وشطرها إلى نصفين وصولاً إلى حلب التي كانت عنواناً لأطماع ونوايا أردوغان، بحيث كان تحريرها قبل أكثر من عامين مرحلة فاصلة في عمر الحرب مهّد لانتصار كبير، مروراً بالمنطقتين الجنوبية والشرقية والبادية السورية التي حسم تحريرها بشكل كبير المعركة ضد الإرهاب، حيث استطاع الجيش العربي السوري بمؤازرة إيران وحزب الله ودخول الأصدقاء الروس على خط مكافحة الإرهاب، القضاء شبه الكامل على تنظيم داعش الإرهابي الذي كان الرهان الأكبر لمنظومة العدوان، وصولاً إلى تحرير معظم الجغرافيا السورية من باقي التنظيمات الإرهابية المتفرعة عن تنظيمي القاعدة والإخوان المسلمين، وحصرهم في نطاق ضيق شمال غرب البلاد تمهيداً للقضاء عليهم.
هذه الإنجازات العسكرية والميدانية المتلاحقة لمحور المقاومة أطاحت بكل مشاريع التقسيم والفدرلة ومحاولات إسقاط الدولة السورية وإقامة مناطق الحكم الذاتي أو المناطق العازلة أو الآمنة مما كان يطرح من حين لآخر في مجلس الأمن وفي جنيف وعبر الإعلام تحت حجج ومبررات إنسانية وأمنية وما إلى ذلك، ما جعل الوجود الأميركي الاحتلالي في الشمال السوري بدون معنى أو فائدة، فكان قرار ترامب بالانسحاب إقراراً طبيعياً بالفشل الأميركي أمام صمود السوريين وبنفس الوقت عنواناً لانتصار محور المقاومة بكل مكوناته، وحين تطرح تكاليف الحرب على سورية والأرقام الضخمة التي رصدت لها والتي تقدر بتريليونات الدولارات، ويتم إحصاء الوسائل والأدوات الإعلامية التي استخدمت على خط التحريض والتضليل والفبركة وقلب الوقائع وتشويهها لا بد أن يصاب المرء بالدهشة، ويشعر بحجم وأهمية الانتصار الذي حققته سورية ومحورها المقاوم، في مقابل الهزيمة المدوية التي لحقت بالمحور المعادي.
حالة التحريض الأميركية والصهيونية القائمة اليوم ضد إيران والدعوات لتشكيل تحالفات عسكرية واسعة لمهاجمتها، لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن الانتصار الذي تحقق في سورية والذي يعود في جزء كبير منه للمساهمة الإيرانية شعباً ومؤسسات وقيادة، حيث يمكن اعتبار ما يجري نوعاً من الانتقام والثأر أو التعويض عن الخسائر التي لحقت بالمشروع المعادي لسورية ومحورها المقاوم، ومحاولة بائسة لنقل المعركة من جغرافيا إلى أخرى للضغط على إيران، ولعل ما كشفه السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مؤخراً في حواره مع قناة الميادين من أن الأميركيين حاولوا الحصول على ثمن لانسحابهم عبر طرح فكرة انسحاب إيراني مواز قوبل برفض القيادة السورية، يعيد التأكيد مجدداً أن إيران تستهدف اليوم بسبب مواقفها الداعمة لسورية وكذلك بسبب الانتصارات التي تحققت في سورية، وهذا يعني أمراً واحداً وهو محاولة إجهاض هذا الانتصار ومنع تداعياته من رسم معادلات المنطقة وفق المعطيات الجديدة، وحين تستهدف إيران أو تتأذى فإن الاستهداف والأذى سيطول بقية مكونات المحور المقاوم لأنهم جبهة واحدة في مواجهة مشروع واحد.
اعتراف الأميركيين بالهزيمة والفشل أمام سورية ومحورها المقاوم سيرتب عليهم قبولاً بالمعادلات الجديدة التي أرسيت، أي القبول بثقافة المقاومة القادرة على تحقيق الانتصار دائماً، وهذا يشكل خطراً على الكيان الصهيوني الذي يغتصب الأرض والحقوق وعلى باقي أدوات المشروع الأميركي، ومن الطبيعي أن يسعى هؤلاء إلى إنكار الحقائق والانخراط مجدداً في محاولة جديدة لحفظ ماء الوجه ومنع التداعيات المحتملة لمثل هذا الانتصار، وهذا ما يكشف أسرار هذا التحشيد الجاري ضد إيران بوصفها شريكاً مهماً فيما حققته سورية.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899