يوم بلغت أزمة الصواريخ في كوبا ذروتها وحيث كان العالم على شفا دمار نووي قال الرئيس جون كيندي لأخيه روبرت : « إذا ما دمرت الحرب النووية هذا الكوكب وإذا ما أدى تبادل القصف النووي لستين دقيقة الى فناء 300 مليون أمريكي وملايين الروس والأوروبيين وإذا ما استطاع آخرون النجاة من هذا الفناء والبقاء على قيد الحياة بتحمل النار والسموم والفوضى والكوارث أريد أن يسأل أحد هؤلاء كيف حصل كل هذا لتأتي الإجابة : آه لو أننا كنا نعرف نتيجة ذلك».
الرئيس كندي الذي سعى لتجنب حرب نووية لم تكن رئاسة أركانه تعلم بذلك والتي كان فيها كثيرون يريدون اندلاع حرب كانت ستبيد ليس فقط 300 مليون شخص انما البشرية بأكملها ونظرية «الشتاء النووي» التي صيغت في منتصف الثمانينات وتم قبولها فيما بعد بإجماع علمي تؤكد أن حرباً نووية على نطاق واسع كما يفكر الجيش الأمريكي ستحول الكرة الأرضية الى مكان غير صالح للسكن لمدة مئة عام.
إنه يوم قيامة نووي تسعى نحوه الولايات المتحدة بلا تبصر إذ تحضر له عمداً كما أشير مؤخراً في مقال كتبته «FOREIGN AFFAIRS» حيث تمت مخاطبة القراء بالقول: « استعدوا للحرب النووية «.
هذا وكان وزير الخارجية الأمريكي بومبيو قد أعلن عن تعليق المعاهدة «FNI» التي أبرمت في العام 1987 بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والتي تمنع انتشار صواريخ مداها ما بين 500 – 5500 كيلومتر كما أن هذا القرار يعني أيضاً انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق أساسي آخر في السيطرة على التسلح العالمي (معاهدة ستارت) التي تنص على تخفيض السلاح الاستراتيجي وكانت قد أبرمت بين روسيا والولايات المتحدة عام 2011 والتي وصفها ترامب بأحد الاتفاقات السيئة التي قامت بها ادارة أوباما . أما عن تبريرات البيت الأبيض للخروج من المعاهدة فهو أن روسيا خرقت أحكام المعاهدة هذا بالرغم من العروض المكررة والمقدمة من موسكو ليس فقط للولايات المتحدة إنما للسلطات الدولية والصحفيين أيضاً لمراقبة الصواريخ.
إن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة لا يعني فقط نزوع ترامب نحو السلاح النووي بل هو نتيجة توجه جديد للجيش الأمريكي نحو صراع «قوى عظمى» مع روسيا والصين إذ انه وخلال السنوات الأخيرة بدأ قلق المؤسسة العسكرية الأمريكية يتصاعد أكثر فأكثر من سرعة التطور التكنولوجي للصين التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً ليس فقط على عائدات شركاتها إنما أيضاً على الهيمنة العسكرية لجيوشها فالصين قبل عقدين من الزمن لم تكن سوى بلد اليد العاملة بثمن رخيص في وقت كانت فيه الشركات الأمريكية تقبض حصيلة الفوائد كلها بينما اليوم أخذ التوازن الاقتصادي للسلطة يغير الموازين فالشركات الصينية مثل هواوي و شاومي و أوبو تغزو الجزء الأكبر اليوم من السوق العالمية لـ سمارت فون حتى أن منافسيهم سامسونغ و آبل يشهدون تضاؤل حصصهم في السوق، من جهته يتقدم هواوي على منافسيه في صناعة قطع الموبايلات من الجيل الجديد التي تمد ليس فقط السيارات من دون سائق والأجهزة الذكية إنما أيضاً الأسلحة المستقلة الفتاكة ، وكما تشير آخر التقديرات أن التهديد العالمي الذي تثيره الولايات المتحدة مع حلول عام 2019 يأتي مع التنافس العسكري والاقتصادي القادم من خارج الولايات المتحدة.
إنه الانحدار الاقتصادي للولايات المتحدة بالنسبة لمنافسيها العالميين والذي يقودها في نهاية المطاف الى تكثيف خطط الحرب النووية الأمريكية أملاً منها وبالاعتماد على قوتها العسكرية أنها ستستطيع كبح الصعود الاقتصادي للصين وتعزيز التفوق الأمريكي على الساحة الدولية لكن هناك اجماع في أوساط الجيش الأمريكي أن واشنطن لن تستطيع وضع خصومها في موقف حرج عن طريق التهديد والتدمير بترسانتها من الصواريخ الاستراتيجية وأنه يجب الأخذ في الحسبان الغواصات البالستية النووية التي تمتلكها روسيا والصين فهذا الخيار حتى لو تم تجاهل مفعول «الشتاء النووي» سيقود الى دمار أكبر مدن الولايات المتحدة التي لا تتوقف عن العمل في ترسانة نووية يمكن استخدامها « تكتيكية» وخلال هذا الأسبوع هناك رأس نووي قيد الانتاج تتراوح طاقته بين نصف وثلث طاقة السلاح الذي دمر مدينة هيروشيما.
منذ 75 عاماً حين قامت الولايات المتحدة بحرق وشوي مئات الآلاف من المدنيين خلال القصف الممنهج على اليابان وقتل مئات الآلاف بسلاحين نوويين كان الهدف الرئيسي من هذا الفعل (بحسب الجنرال كورتي ليماي) تهديد الاتحاد السوفيتي الذي كان في ذلك الوقت يلجم دوافع الامبريالية الأمريكية لعمليات الإبادة ، وبالرغم من الادعاءات بالانتصار وأن تفكك الاتحاد السوفيتي قاد الى عهد جديد من السلام والديمقراطية و «نهاية التاريخ» لكنه لم يحمل سوى ربع قرن من الحروب الاستعمارية الجديدة فحروب العراق وأفغانستان وليبيا وسورية لم تحقق أهدافها بعد أن صرفت بلايين الدولارات وقتلت ملايين الأشخاص والوضع العالمي للامبريالية الأمريكية ليس بأفضل حيث أطلق «الحرب ضد الارهاب» في العام 2001 .
اليوم الولايات المتحدة ترفع سقف المزايدات بتوجيه الاهتمام الى صراع بين القوى الكبرى وفي صراعها الدائم للهيمنة على العالم تجازف بالدمار والخراب فهي مستعدة لاستخدام الوسائل الأكثر تهوراً والأكثر يأساً الى حيث تقود لاندلاع حرب نووية.
عن موقع فالميه
ترجمة مها محفوض محمد
التاريخ: الأربعاء 6-2-2019
رقم العدد : 16903