طالما وَصلَ الأمرُ إلى الإعلام، فقد صار مُعلناً، يَجري تَداوله على نطاق واسع، ولا يبدو أنّ للخشية من تَأويل أو فهم صحيح أو خاطئ للمسألة أيّ مكان أو محل، ما يَعكس حالة عنجهية مَقيتة تَستخف بالعالم، كل العالم، كمُتلقي، ليس مُهماً رأيه ولا فَهمه ولا استنتاجاته، ولا المواقف التي سيَبنيها أو يَتخذها!.
الولايات المتحدة – صانعُ الإرهاب، مُخترع الدواعش، ومن قبل القاعدة – تَستعجل الشركاء كدول لاستعادة رعاياها الدواعش فوراً وسحبهم من سورية، بل تَعرضُ عليهم المساعدة لإتمام العملية بسرعة، حتى أنّ قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط جوزيف فوتيل تحدثَ عن ذلك كمَسؤولية ومهمة تتولاها بلاده، ومُستعدة لعقد وتوقيع اتفاقات بهذا الشأن مع جميع الأطراف – الحكومات – بهدف التسهيل ولضمان السرعة!.
عادل الجبير المَوتُور، في حديث لمحطة cbs الأميركية، تَعهّد بعدم عودة الدواعش إلى سورية! وبدا واثقاً مما يقول، حتى لو ألّح مُحاوره بطلب التوضيح لكان ربما قدّم ضمانات بعدم العودة! كيف ولماذا؟ وما علاقة السعودية في هذه الحالة بالحُثالات الداعشية التي يَجري تهريبها، إخراجها، نقلها إلى مكان آخر، أو إلى ما قيل أنها بلدانهم الأصلية؟ ولماذا جيء بهم إلى سورية؟ ولماذا تهتم واشنطن بتسريع تَرحيلهم وتُبدي استعدادها للمُشاركة والمُساعدة والإشراف على العملية، وإتمامها بنقلهم على مَتن طائرات خاصة تُرسلها وتَضعها بالخدمة لهذه الغاية؟.
الأسئلةُ الكُبرى، هذه، هل فَكّرَ أحدٌ في العالم (المُتحضر) بطرحها؟ فضلاً عن البحث عن إجابات لها؟ وهل من مَعنىً لما تدعو له أميركا، ولما قاله جبير بني سعود، سوى أنّ الجانبين تحديداً مَعنيان بصورة مباشرة بالدواعش ووجوب إخفائهم بسرعة لطمس الأدلة وللحؤول دون توثيق الحالة، وشهادات الدواعش – قيادة وعناصر- إن لجهة كشف ما يتعلق بالتجنيد والتدريب والتسليح والتمويل، أم لجهة التشغيل وما يتصل بأوامر العمل التي كانوا يَتلقونها من الجنرالات ورجال الاستخبارات الأميركيين وغير الأميركيين الذين كانوا يُوجهونهم ويُزودونهم بالمعلومات وبسبُل التحرك وطرائق القتال على الجبهات والمحاور؟!.
العملُ الهستيري والاشتغالُ الحثيث على مُحاولة إخفاء الأدلة إيّاها بالترحيل الفوري والسريع لضمان عدم وقوع فلول الحُثالات الداعشية بقبضة خصوم واشنطن، هو دليلٌ حسي مُؤكد يُضاف إلى حزمة أدلة مما بات مَعلوماً من أنّ أميركا – حلفها ومُكونات مُعسكرها – هي مَن خلق داعش واستثمرَ فيه، وهي مَن يَنشر الإرهاب حول العالم، ودائماً لخدمة مصالحها وغاياتها الشيطانية القذرة.
الولاياتُ المتحدة والغربُ الفاجر، ومُلحقاتهما في الشمال والجنوب، كمُعسكر يُلاحق كل دولار – وليس فقط كل قطعة سلاح فردي دفاعي – يَصلُ لحركات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني والأميركي والغربي، لكنّ واشنطن، ومُعسكرها، لا تَجد أيّ حرج برعاية وحماية حُثالات مُصنفة إرهابية حتى على لوائحها! بل تُسِّخر واشنطن قوتها ونفوذها لتَذليل أيّ قيود قانونية أو سياسية قد تَمنع مرور دواعشها ببلد ثالث أثناء نَقلهم إلى ما تَقول بلدانهم الأصلية! أين الأمم المتحدة ومجلس الأمن من هذا العُهر العَلني؟ هل هناك ثمّة ضمير ما زال حياً في هذا العالم ليُؤدي ما ينبغي أن يُؤديه من واجب قانوني أخلاقي، ليُحاكم، ليُصوّب، ليَفعل شيئاً؟!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909