«البراءة جهل».. وسرعان ما سيكمل الفيلسوف كيركيغارد عبارته تلك، بقوله: «إن السر العميق للبراءة سيكون في نفس الوقت هو الوجه الآخر للقلق».
في القلق رأى «عزيمة للعقل الحالم».. مع أنه لا يستبعد أن يكون مركزاً لكل مشكل.. وغائصاً في خضم الطبيعة المقعدة والديالكتيكية للقلق، ببعده الفلسفي.. لا ينفي كونه قوة محرّكة تلازم الإبداع.
وفق كل ذلك كيف يمكن استثمار مشاعر القلق لتكون سبباً للاستمرار وديمومة الخلق الإبداعي..؟
هل يمكن للقلق أن يمتلك قوة دفع تحرّك المرء للأمام..؟
ارتبط تجاوز القلق لدى الفيلسوف الدانماركي بالقدرة على الاختيار.. بينما ارتبط لدى الألماني هايدغر بالقدرة على أن يكون المرء نفسه..
وفي ظل ما نحياه اليوم.. في ظرف (الآن وهنا) ما هي نسبة ما نستطيع اختياره مجموعةً إلى نسبة ما نستطيع فيه أن نكون أنفسنا..؟!
ما مجموع النسبتين..؟
وهل تؤهلنا النتيجة لنتحرر، ولو قليلاً، من إحساس قلق متفاقم ومتصاعد..؟
ألا يمكن أن يتحوّل القلق إلى إحساس عميق بالخوف حين لا نمتلك تعويذة صالحة لكبح وسوساته..؟
في كتابه «الخوف السائل»، تنبّه عالم الاجتماع (زيجمونت باومن) إلى ما ذكره أحد مؤرخي حقبة التسعينات عن ارتفاع درجة حرارة التحذيرات العالمية من الفيروسات القاتلة، والمخدرات القاتلة، واللحوم القاتلة، واللقاحات القاتلة، والأمراض القاتلة.. «وغيرها من الأسباب الممكنة للموت الوشيك، وكانت هذه التحذيرات مرعبة في أول الأمر لكن بعد فترة بدأ الناس يستمتعون بها»..
على ضفاف السيولة التي تحدث عنها باومن في هذا العصر السائل حيث تتحول هياكل المجتمعات من الصلابة إلى السيولة «يمكننا الاستمتاع بكل التحذيرات العالمية. فنحن نعيش في عالم سائل لا يعترف إلا بيقين واحد، ألا وهو اليقين بأن الغد ليس ما يمكن أن يكون، ولا ما ينبغي أن يكون، بل ما يكون.. فلا بد على التدريب المستمر على الاختفاء، والذوبان، والانسحاب، والرحيل، وهذا يعني ضمناً التدريب على لانهائية الموت، والتدريب على الإحياء والبعث الدائمين»..
وعلى ما يبدو يصبح التدرّب على القلق والخوف أمراً مفروغاً منه، تلقائياً في ظل تعويم سيولة فضحت هشاشة مجتمعات أدّعت صلابة حداثتها.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com