تتوجه مدرسة اللغة الفرنسية سلام زعرور إلى بلدية البلدة، لتنفيذ الأنشطة الفنية من إلقاء الشعر إلى الغناء، ومسابقات المواهب، وتقول نحقق بهذا هدفين الأول: الاهتمام بالجانب الثقافي الاجتماعي لطلابنا، والثاني :تفعيل الدور الثقافي الاجتماعي للبلدية نفسها. لكنها مبادرة فردية أو جماعية مع طلابها، وقد يوجد العديد منها في بلدات وضواح أخرى، لكنها ليست برامج يومية ضمن سياسة تعاون بين وزارتي الثقافة والإدارة المحلية تخصص لها ميزانيات تدعم تنفيذها.
وهذا يدفعنا للسؤال عن دور الثقافة في التنمية الاجتماعية، والقول :إن العمل على التنمية يبقى ناقصا، من دون أن يستثمرَ في الثقافة، ويُنشئ المؤسسات الثقافية القادرة على تحقيق التنمية الثقافية، جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
صحيح أن المراكز الثقافية منتشرة في جميع المدن والأرياف، لكن السؤال كيف يتم استثمارها؟ هل تفتح أبوابها لأنشطة مستمرة، وتعرف الأهالي بثقافتنا وفنوننا ومبدعينا؟
صحيح أن ثمة مشاريع مهمة في الموسيقا والغناء والإخراج السينمائي، لكنها أيضا قليلة ومتمركزة في العاصمة دمشق. وعندما نتحدث عن الاستثمار في الثقافة، لانقصد تلك الأنشطة المتفرقة، وإنما الاستثمارَ في إنسان الثقافة، أي المُبدع، الذي يُفكِّر مع أصحاب القرار في استشراف مستقبل مجتمعه، وتحليل واقع هذا المجتمع، واستخدام الثروة في تقدُّم هذا المجتمع ورخائه. إنّ الأموال قد تعيد إعمار البيوت المصانعَ وتمدّ الشوارع والجسور، وتقيم الأبراج السكنية العملاقة لكن هذا لا ينطبق على التنمية الثقافية. إن ما نسأل عنه كيف يتم تعزيز دور الثقافة في النسيج الاجتماعي، وألّا تكون الثقافة موسمية، أو حسب الظروف التي يمر بها المجتمع، أو أن تُربط بشخصية من الشخصيات.
إن التنمية الثقافية تعني تخصيص ميزانية للحياة الثقافية، لقد خصصت دول عديدة على الحفاظ على ثقافاتها وفنونها، برغم ظروفها المادّية الصعبة، مثل الاتحاد السوفيتي سابقاً ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا. كما احتفت دول أمريكا الجنوبية برموز الثقافة لديها أيما احتفاء، لذا فإنّ صرفَ الدولة على الثقافة يأتي ضمن خططها التنموية، تماماً كما هي الحال مع الصرف على مناحي الحياة الأُخرى. وتلك الميزانية يجب أن تكون على مشاريع مستدامة، لا تتعلق بوجود مسؤول نشط أو متحمس، ثمّ يأتي بعدهُ مدير يترك ما بدأ به سابقة وتموت تلك الخطط والمشاريع التي وضعها الأوّل.
لماذا لايكون اهتمام بالبنى التحتية القائمة، من صالات عرض ومراكز ثقافية، وتأمين ما يتطلّب من لوازم لها كي تعمل وفق أُسس علمية وفنّية، وبتفاهم مع المؤسسات أو الوزارات الأُخرى المنوط بها وضع الخدمات الأساسية، إن مديرية ثقافة الطفل تقيم العديد من الأنشطة لكن لايمكن اعتبارها استثماراً، لأن الاستثمار في الثقافة يتطلب الرجوع إلى المدرسة، وتخصيصُ فِرَق عملٍ تبحث عن المواهب، وتوجههم الوجهة الصحيحة، وهذا عمل مؤسسي، يقوم على وضع الأهداف، وصوغ الوسائل، بما في ذلك تضمين المناهج بعض المقررات التي تسهم في اكتشاف المواهب وتوجيهها نحو الهوايات أو الأشكال التي من الممكن أن يُبدعوا فيها.
إنّ الاستثمار الثقافي يعني إعداد الكوادر المؤهلة لإنتاج الثقافة، وهذه قضية مهمّة، ضمن حالات «المقاربات الاجتماعية» في التوظيف، والتي تسهم في تكدُّس موظفين بعيدين عن الهَمّ الثقافي، بل ولا توجد لديهم رؤية للخطط الثقافية، رغم وجود خريجي مسرح وسينما وموسيقا همهم انعاش الحياة الثقافية.
إننا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة لتعاون جميع الوزارات والمؤسسات مع وزارة الثقافة، لوضع خطط ومشاريع لها طابع الاستدامة والاستمرارية لانعاش الحياة الثقافية، وتدريب الكوادر وخلق جيل من المبدعين.
لينا ديوب
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916