نزعة انسانية وقلوب مملوءة بالحب المطلق لكل البشرية، وانتقادات لأشكال الظلم والاستعمار ولكل من وقف في وجه التحرر للأوطان.. هكذا كان يدعو أبناء الوطن من أدباء وشعراء ومواطنين عاديين خارج أوطانهم، ممن اضطرتهم ظروف الحروب والحياة وأشكال الاستعمار إلى مغادرة الوطن, فأُطلق على النخبة منهم (أدباء وشعراء المهجر) هؤلاء ساهموا في نشر المبادئ الإنسانية إضافة للأدب الراقي الذي قدموه.. اليوم وبعد مضي أكثر من قرن على نشأة هذا الأدب نبحث ونفتش في كل الدول التي هاجر إليها العديد من السوريين لنجد الكثيرين باعوا أنفسهم وأوطانهم واستبدلوا حرياتهم بعبودية الأجنبي أيا كان..
لم تطالعنا إلى اليوم الصحف وأمهات الكتب عن أي أدب راق أو انساني يخص هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الوطن يلملم جراحه بمن بقي فيه من الشرفاء.. اشترك شعراء المهجر في إبداعاتهم في الحنين والشوق إلى الوطن ومرارة الغربة، بينما نجد الكثيرين يبيعون الوطن على شاشات التلفزة دون خجل أو وجل.. تأمل شعراء المهجر النفس الإنسانية وقاموا بتحليلها وتصويرها بدقة للكشف عن أسرارها وتحقيق المثل العليا الخالدة، في حين أن من نجده في المهجر اليوم باع الناس والإنسانية بالدولار وداس على أجساد أبناء وطنه وأشلاء أطفاله وحلق اللحى وحجز لنفسه مع مواكب الطغاة في العالم, وحط رحاله في فنادقهم تحت رعاية دولاراتهم وحصانتهم..
مدرسة صانعي الحروب وتجار الإنسانية, هذا ماسينتجه المهجر في القرن الحالي والتالي، ولن يكون لهؤلاء سوى تلك التسمية ولن يكون لتاريخهم الأسود سوى أطفال حفر التاريخ في ذاكرتهم فقد آبائهم على يد الإجرام، وسترويها أجسام الجرحى في الوطن قصصا حقيقية وعفوية نراها بأم العين في كل يوم.. شعراء وأدباء المهجر في آواخر القرن التاسع عشر لم تكن الأرض أمامهم مفروشة بالذهب والحرير عندما وصلوا بلاد الاغتراب، هاجروا بحثا عن مورد للرزق بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في ظل الاستعمار، لكن أعباء الحياة لم تقلل من محبتهم لوطنهم ولم تثنهم عن المشاركة الفعالة في إثراء الحركة الأدبية والإنسانية لمن كان موهوبا منهم في المهجر، فأصدروا الصحف والمجلات الأدبية وأخرجوا الدواوين الشعرية والقصص والروايات الأدبية باللغة العربية واللغات الأجنبية، بينما المهاجرين في القرن الحادي والعشرين أحدثوا أزمات لبلدانهم وشكلوا ورقة ضغط لسلب وطنهم السيادة والحرية، وبكل أسف العديد منهم مشارك ولاعب أساسي في كل القرارات التي تُنذر بخراب بلدانهم وتقسيمها وابتلاع من بقي من أبناء وطنهم بالحصار سياسيا واقتصاديا، مثل هؤلاء هكذا يُثرون الحركة الأدبية والإنسانية في بلدانهم بمزيد من حمامات الدم والمجازر الإنسانية..
لو علم إيليا أبو ماضي، وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم كُثر أن الأديب المهجري بطابعه التأملي والفلسفي والرمزي والإنساني وكل ما قدمه من صور جميلة لوطنه وأبناء وطنه,سيأتي من بعده من يشوه الصورة ويقلب قضايا الوطن باطلا دونه الحق لاختار أن يبقى حبيس ظروفه، وحزنه وبؤسه، ولكأن جبران خليل جبران كان يشعر بكل هذا فقال: الخير في الناس مصنوع إذا جبروا.. والشر في الناس لايفنى وإن قبروا.. وأكثر الناس آلات تحركها أصابع الدهر يوما ثم تنكسر.
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916