لم يعد الوصول إلى الشهرة صعباً في هذا الزمان، في عصر الصورة والخبر.. بل قد أصبح لديه وسائل عديدة توصلك من أقرب طريق إليها (أي الشهرة).. وبسرعة ربما تكون بين ليلة وضحاها.. فالإعلام قد فتح أبوابه واسعاً، وأشرع نوافذه عريضاً لكل من يريد أن ينضم إلى قنواته التي باتت غير محدودة.. وشبكة المعلومات أيضاً قد عددت من مساراتها في سريان القصص، والأخبار.. وعدسات الكاميرات المتطورة باتت عيونها مفتوحة باستمرار، ودون انغلاق لتلتقط كل ومضة، وتسجل كل لمحة.. وطريق الفضائح هو الآخر لا ينقصه شيء لكي يصبح ممهداً لكل من يرغب أن يحصد شهرة واسعة، وبسرعة البرق لو أحب عبر الفضيحة مهما كانت مسيئة، أو أنها بما يكفي لتبقى عالقة في الأذهان وقتاً من الزمان قبل أن يغيبها النسيان.
من المتعارف عليه أن الشهرة حلم يراود كثيراً من الناس بل أكثرهم، ولعلها الآن باتت تراود كل الناس لسهولة اصطيادها، والوصول إليها في عصر اتصلت فيه كل القنوات ببعضها بعضاً.. واتسعت الدائرة التي تربط بين الناس واحدهم بالآخر.. وأصبح للقصص، وللأخبار قنوات تغذيها، وأناس يستقبلونها بفضول متنامٍ، وفي لحظة الحدث ذاتها، هذا إذا لم يكن بثها مباشراً أيضاً.
بل وتداخلت الأخبار التي تسري بين السياسة، والفن، والإعلام، والثقافة، والفكر، والعلم.. وما يهم هو القصة المثيرة بحد ذاتها، والتي تجد لها الصدى عبر وسائل إعلانها مرئية كانت، أم مسموعة، أم مقروءة. إنها إثارة الخبر، واستقطاب اهتمام أكبر عدد من الناس بما يضمن ذيوع الشهرة، والتعرف على شخص بعينه أثارت قصته التي انتشرت الفضول، والمتابعة.. وعندئذ لا يعود مهماً ما إذا كان الخبر فاضحاً، أم رافعاً من شأن صاحبه.. المهم أنه قد اشتُهر، وعُرف.
وكانت الموهبة من قبل تعلن عن نفسها، فإذا بها هي التي تصل بصاحبها إلى الشهرة.. أما الآن فقد أصبح هناك وسائل ليسوّق المرء نفسه من خلالها في إعلان عن إمكاناته حتى ولو ليست بما يكفي لنيل شهرة، وحتى لو لم يكن موهوباً، أو أنه يملك تميزاً ما يجدر تسليط الضوء عليه.
إنه الوصول وكفى.. وصول دون جهدٍ، ودون دفع أثمان قد تكون باهظة أحياناً.. بينما بلوغ شهرة حقيقية، وأصيلة هي ليست بسهولة الأحلام، أو التمني.. لأنها الموهبة، أو أنه التميز، الذي يعقبه النجاح، وسبله المثابرة، مع الاجتهاد، والإصرار.
لا بأس إذن.. فها قد تحققت الشهرة لمن سوّق نفسه لها، وروّج بالدعاية، وحان وقت قطاف ثمارها.. إلا أن عائقاً جديداً يبرز أمام من اقتنص شهرته عن غير جدارة، وحققها في زمن قياسي ربما.. وهو ما لم يكن يتوقعه.. ألا وهو البقاء في القمة التي وصل إليها.. وهي المواجهة الأصعب.. وهنا تنكشف الأوراق، أو أنها تحترق.. لأن الوصول الى القمة هو أسهل بكثير من البقاء فيها.. والوسائل المعاصرة التي ساعدت في ذلك لا تستطيع أن تفعل فعلها في إبقاء المرء في قمته التي يزهو بها.. ما لم يتحول الاستسهال الى اجتهاد، والنفاق إلى صدق مع الذات.
لكن القرار أولاً، وأخيراً يعود لك.. وأنت حر في أن تختار الطريق السريع، أو المشي البطيء لتصل إلى غايتك. والشهرة درجات، ومستويات.. وأعظمها تلك العالمية، وأقلها التي هي في محيطها الصغير الذي قد لا يتجاوز مجموعة اجتماعية محدودة، أو مجالاً وظيفياً ضيقاً.. أو بين أصدقاء افتراضيين تعرفوا إليك، وتابعوك عبر ما أصبح يُعرف بمواقع التواصل الاجتماعي.
شهرة تقع بين الغرور، والطموح.. غرور يحقق شهرة زائفة تخدع صاحبها.. وطموح يصل إلى شهرة حقيقية لا سبيل لإطفاء وهجها.. والحقيقة تقول: إن من يرصد هدفاً، ويخطو باتجاهه بأمانة دون خداع، ولا تزييف لا للنفس، ولا للآخرين لا بد أن يصل إلى نهاية الطريق.
فهل نتهم هذه الشهرة الزائفة القابلة للزوال أنها واحدة من أسباب انحدار الثقافة المجتمعية بعد أن تخلى المجتمع عن مفكريه، ومثقفيه، وساسته، وعلمائه، ووجه اهتمامه إلى هذه النماذج الطارئة، والجديدة التي نجحت في لفت الأنظار إليها؟.. ربما.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916