عاد الأميركيون إلى لعبتهم المفضلة في خلط الأوراق بالمنطقة واللعب في الوقت الضائع، عبر قرار ترامب المستجد بإبقاء مئتي جندي في منطقة شرق الفرات، البدعة أو المخرج الذي لم يكن مستبعداً في ظل الضغوط التي تعرض لها داخلياً وخارجياً، ما يعني نسفاً لقرار الانسحاب من سورية، والعودة للتنسيق الذي لم ينقطع أصلاً مع النظام التركي، وتشجيعه على التملص من الالتزامات والتفاهمات التي تمّ التوصل إليها في جولات آستنة وسوتشي مع روسيا وإيران بشأن احترام السيادة السورية وحل الأزمة عموماً.
مجمل الأحداث والتطورات التي حدثت بعد إعلان ترامب قراره بالانسحاب، ولا سيما اعتراض واستياء حلفاء أميركا في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، والتردد الأميركي في إعلان جدول زمني محدد لهذا الانسحاب وصولاً للتحركات المشبوهة التي قام بها جون بولتون على خط إفراغ القرار من مضمونه، كانت تشي بأن واشنطن ـ في رحلة البحث عن ثمن لخروجها ـ ستتراجع عن القرار، وتلجأ للمماطلة في تنفيذه، لأن جزءاً من أجندتها العدوانية تقوم على تعطيل الحلّ في سورية وإلهاء محور المقاومة عن الأطماع والاعتداءات الصهيونية المتكررة.
غير أن المثير للسخرية في بدعة ترامب الجديدة هو محاولة تصنيف الجنود الأميركيين (المتبقين) في إطار ما يسمى (حفظ السلام) في سورية، وما يعنيه ذلك من سرقة الدور المناط بالأمم المتحدة، والعودة لاستخدام الذريعة الداعشية التي أعلن ترامب أكثر من مرة انتهاء الاستثمار فيها، وهذا يؤشر إلى تمادي واشنطن في كذبها وخداعها للرأي العام الدولي، ومحاولة التستر على مجازر تحالفها غير الشرعي بحق المدنيين في سورية، الذي كان وما يزال أبرز تهديدات السلام في سورية بالتوازي مع إرهاب داعش وبقية الجماعات المسلحة الأخرى، وقد كشفت الإحصائيات بشأنها ـ ولاسيما أعداد الإرهابيين الأجانب ـ أن واشنطن وحلفاءها هم المصدر الحصري للإرهاب، وأن الحرب عليه لم تكن سوى حصان طروادة للتدخل في سورية على نية إضعافها وتقسيمها.
الأميركي إذاً يماطل ويبحث عن ثمن لخروجه مرتدياً عباءة السلام الكاذب، ولكنه في ذروة خداعه وغروره وكذبه موعود بأن يدفع ثمن احتلاله وجرائمه وتدخلاته غير الشرعية كما دفعها كل غاز وكل طامع ومحتل..!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917