على فائض من وفرة مؤقتة هنا وهناك تأتي الكهرباء، ومن حصيلة جهد متواصل يقدمه عمال الوطن في كل الظروف تتصل أسلاكها وأشرطتها التي شهدت كابلاتها تحت الأرض وفوق الأرض حربا عبثية خربت خرائطها التقنية وتصميماتها الهندسية الآمنة بما يناسب كل السعات الكهربائية.
فرضت الظروف القاسية نفسها بالتأكيد على واقع حياتي مرير اجتاز معظم السوريين فصوله بجميل الصبر وحسن التدبير..وبغض النظر عن كل الضائقات بألوانها المختلفة التي أصابت في الصميم احلام ورغبات كل فرد سوري قاوم ماديا ومعنويا كل أشكال الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية بحبه وعشقه وانتمائه للوطن.
إلا أن الحرب الاقتصادية كانت الأكثر بشاعة في قاموس قذارة الأعداء الأصلاء والوكلاء وأتباعهم حيث يطفو بين الحين والآخر بعض تبعاتها القاسية على السطح كما هو الحال في الأشهر الأخيرة من ناحية المشكلات الضاغطة في توزيع المحروقات ولا نقول في تأمينها، فالدولة السورية التي جابهت كل حقد العالم بإرهابييه وحصاره الجائر، وفساد الضمير المحلي وتأجيره للدولار وسرقة الليرة السورية من جيوب مواطنيها هي نفسها مازالت تؤمن كل شيء يحتاجه السوق والمؤسسات والمعامل وغيرها دون استثناء.
ربما هناك خلل ما في طرق المعالجة وآليات التنفيذ من قبل الجهات المعنية وهنا لا نعمم على كل العاملين أكانوا مسؤولين أو أفرادا لان معادلة الحياة فيها الايجابي وفيها السلبي فيها الدنيء وفيها العفيف..من يحلل ومن يحرم..فالمشكلة تبقى في النفوس والقيم والأخلاق التي يحملها صاحبها.
في كثير من الأيام تطول فيها مدة التقنين وفي الوقت ذاته هناك الكثير من الأيام تزداد فيه ساعات الانارة أكثر من المدة المحددة للتقنين ما يعني أنه عندما تتوفر المستلزمات الداعمة لحضور الكهرباء بشكل جيد لا يقصر المعنيون بالأمر فهم لا ينقصهم مبررات أو يحتاجون مزيدا من الانتقاد، بالمقابل هناك واجب كل فرد وشخص أيا كان موقعه أن يساهم بشكل عاقل ومسؤول وغيور على استمرار زيارة التيار لمنازلنا ومؤسساتنا وشوارعنا وخطوط انتاجنا وذلك انطلاقا من أبسط الواجبات ، وهو التعامل مع وسائل الاضاءة بحسن تدبير.
إذ ليس من الشطارة هنا ان تترك مفاتيح الانارة شغالة ليلا نهارا، من الواجب اشعال ما هو ضروري فقط من غرفة الجلوس غرفة دراسة الابناء وقت الحاجة والضرورة للحمام والغسيل والكوي وغيره، أن تطفىء انارة الشوارع أثناء النهار فالبعض يسهو عنها مرارا دون اكتراث لحاجتها عند الضرورة القصوى ، أن نؤجل وقت تشغيل غسالة الاوتوماتيك في موعد الكهرباء على سبيل المثال عملية الكوي أو قاطع الحمام او استخدام الخلاط لأكثر من مادة للطبخ في آن معا.
أن نحرص على اطفاء الانارة وخاصة في النهار ضمن أماكن العمل لاسيما المغاسل والحمامات ،أن نقلل من فترات استخدام السخانات في اماكن لا لزوم لها ، على عكس حاجتها للطبخ طالما لا يتوفر الغاز المنزلي..
ربما لا يروق هذا الكلام للبعض أقلية أو أكثرية وربما يوجه انتقادات مختلفة كل حسب وجهة نظره،أو يتهمنا بأننا نمالئ وزارة أو مؤسسة. أبداً القضية أكبر مما نتصوره من الخطورة فخزينة الدولة فيها أولويات من ناحية الصرف للأمور المصيرية والاستراتيجية التي حفظت ومازالت تحفظ ماء وجهنا لغاية اللحظة رغم كم الفساد والهدر بكل القطاعات مع تراكم حجم الخراب والتدمير ، فعدو الداخل والخارج يعمل بمنهجية محكمة لعصرنا نحن السوريين والضغط علينا بلقمة عيشنا وسرقتها من أفواه أطفالنا..
وواجبنا بالتالي أن نتصدى بحكمة أيضا لكل من يحاول أن يزيد على أوجاعنا أوجاعا أخرى بأساليب ملتوية مختبئا تحت ظلال عباءة الوطنية الزائفة، من تجار ومحتكرين ولصوص مهرة في اقتناص الفرص على حساب أبناء جلدتهم .
نحن اليوم في سباق مع الحياة ، مع الزمن ، مع كل شيء ،ضاغط على أعصابنا وحسرات قلوبنا ، لكن ما يريحنا، أننا نتنفس هواء الوطن الذي مازال نقيا بفضل تضحيات حماة الديار ودماء الشهداء وتعب الشرفاء والأوفياء بكل مقاساتهم على كامل جغرافيا الوطن.
غصون سليمان
التاريخ: الخميس 28-2-2019
الرقم: 16920