يبدو واضحاً أن روسيا وإيران (لحقتا الكذاب أردوغان إلى باب بيته) وتكشَّف لهما أنه كاذب بامتياز – وإن كانت تعلم ذلك منذ البداية-، لكنهما أرادتا من خلال سوتشي وآستنة أن تتركه يستنفد كل ألاعيبه وأساليبه المراوغة في خدمة المشروع التقسيمي من خلال قضيتي المنطقة الآمنة والتي تهدف أولاً وأخيراً إلى توطين عدة ملايين تتمكن من خلالهم من البقاء لاعباً مؤثراً في الشأن السوري، وكذلك منطقة إدلب وضواحيها التي تسيطر عليها (جبهة النصرة) وبقية التنظيمات الإرهابية وأيضاً لتوطين إرهابيين وعائدين منهم من حصلوا على الجنسية التركية ويدينون بالولاء لها بعد أن تفصل الإرهابيين عن المعارضين الذين (تمون) عليهم للعب بهاتين الورقتين في العملية السياسية التي تروّج لها دول محور العدوان كحل للأزمة، وللبقاء في موقعها في ثلاثية سوتشي وآستنة.
إن الدول المهزومة لم تستفق بعد من صدمة الانتصار السوري (الناجز) الذي يعني وبكل بساطة أن المشروع سقط وأن لا أحد يستطيع بعد ذلك أن يكون شريكاً بعد أن أصبح أكثر من 90% من الأرض السورية محرراً بالكامل ولن تسمح القيادة لأي دولة بمشاركتها في العملية السياسية فهذه القضية محصورة بين القيادة والشعب.
والمرحلة الحالية تشكل انعطافة مفصلية بين الأزمة وبين العودة إلى الدولة وسيادتها كما العزم على إعادة الإعمار بعد عودة النازحين إلى سورية كلها، وهذه الورقة -أي ورقة النازحين- ما زالت إلى حد كبير بين أيدي دول محور العدوان وخصوصاً دول الجوار التي تحاول الضغط بها على القيادة السورية باسم المجتمع الدولي وحقوق الإنسان وبعض الهواجس الوهمية إضافة إلى تسوّل تلك الدول من المانحين على ظهر السوريين فإذا كانت تلك الدول تهتم بأوضاع سوريي الشتات فإن الأولى أن تستمر في دعمهم وهم في بلدهم.
وعودة إلى ما تفعله تركيا وما يمكن أن نقرأه في ترويجاتها مؤخراً عن عمليات عسكرية مشتركة مع الروس والإيرانيين في تلك المنطقتين تحت غطاء سوتشي وآستنة ومقرراتهما، وهما المؤتمران اللذان أقرت فيهما تركيا بشيء بينما تقوم في الميادين بأعمال مخالفة كلياً، وبطبيعة الحال تتدخل الدولتان -روسيا وإيران- لكشف ألاعيب تركيا وتذكيرها بالتزاماتها.
إن سورية والحلفاء يدركون أن مثل هذه الأعمال البهلوانية لا هدف لها سوى إطالة أمد الحرب وهو هدف أميركي- صهيوني- عربي مع العديد من الدول الاوروبية، وإبقاء عودة النازحين تحت خيمة الأمم المتحدة بذريعة المناطق الآمنة، ومن ثم المشاركة في العملية السياسية فيما يتعلق بتركيبة القيادة ووضع الدستور وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تنتقص من السيادة السورية على أرضها وشعبها بعد أن حققت انتصارها لتصبح في موقع القوي الذي يقرر كل شيء ويفرض شروطه على المهزومين.
هذا هو الدور التركي الحقيقي الذي تريده دول محور العدوان وعلى رأسهم أميركا على الرغم مما يبدو من خلافات مسرحية هزلية لم تعد تنطلي على أحد.
ولسنا هنا في مجال تذكير كل من روسيا وإيران بأن تركيا دولة لا تؤتمن ولا يعول عليها، فهما يدركان ذلك لكنهما لا تريدان حرق كل الأوراق على الأقل في الوقت الحالي، لكن هذا آتٍ لا محالة وعندها ستكون تركيا في مأزق لأن القيادة السورية وهي صاحبة الكلمة الفصل لن تنتظر طويلاً وهي أعدت العدة لاستكمال انتصارها وتحرير آخر شبر من أرضها وفرض سيادتها عليه.
إن سورية التي صمدت 8 سنوات في أعتى وأشنع حرب كونية وغيرت وجه العالم لن يضيرها بضعة أيام من تكتيكات الوقت الضائع.
وإن غداً لناظره قريب..
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 19-3-2019
رقم العدد : 16935