سمعت كثيراً عن مبادرات الشيخ شعبان منصور في منطقة الغاب (حماة).. ورأيت هذا الرجل الثمانيني عبر حوار متلفز.. فادهشني بهدوئه ولطفه وإنسانيته ونظرته الثاقبة إلى المستقبل وإيمانه بالإنسان الذي هو أخو الإنسان.. ولهذا جاءت مبادراته مشابهة لطروحاته التي استطاع أن يجمع عشرات الشبان المتطوعين وربما المئات للانضمام إلى حملته الإنسانية التطوعية في بناء مدرسة ومشفى فضلاً عن إنجازات أخرى ساهم فيها شبان من قرى حماة على اختلاف مناطقهم دون مقابل، سوى الفرح بالعطاء لهذا البلد الجريح.
هذا الأمر يدفعني لتوجيه التحية له وللرجال والنساء العاملين معه حباً في الوطن والإنسانية ومن ثم التساؤل – لماذا لا نجد مثل هذه المبادرات في كل أنحاء سورية وخاصة أن البلد تعاني من هدم وتخريب للبنية التحتية وتحديداً المشافي والمدارس.. وبما أن البلد تعاني من هجمة شرسة لتخريب التعليم وتخريب الهوية والذاكرة وتعطيل الوعي عند الأجيال القادمة.. أجيال ما بعد الحرب.
وعلى الرغم من الحرب يوجد في البلد رجال مال وأعمال بنوا ثرواتهم من الوطن ومن خيرات الوطن.. وهم كثيرون – ولله الحمد – ومن يزور.. أقصد يمر مرور الكرام أمام المقاصف والمطاعم والفنادق سيلاحظ أن البلد (ولله الحمد بألف خير.. وأن الأغنياء أكثر من الفقراء والدليل تلك السيارات الفارهة التي تملأ شوارع البلد والبنايات الشاهقة على تخوم المدن وفي أعالي الهضاب والجبال وقرب البحر ووراء البيارات..) لكنني لم أسمع عن مبادرة لرجل أعمال أو رجل ميسور يقوم بتحسين -أقول تحسين وليس بناء- مدرسة مهلهلة.. مهملة.. مقاعدها مكسورة وسورها (معقور) وحماماتها لا تصلح حتى لقطعان الغنم.. وماؤها ملوث وألواح الكتابة مقشورة.. وحديدها صدئ.. وبابها يشبه باب سجن.. وبا حتها تشبه باحات التنفس للسجناء. أما الأوراق فلا داعي لذكرها.. وأما أرض الفصول أو الصفوف فأعتقد بأنها لم تغسل بالماء منذ سنوات ولم تشم رائحة الصابون ولا الكلور ولا الألوان. لذلك الذاهب إلى المدرسة كما الذاهب إلى عقاب جماعي.. الوجوه مكفهرة، العيون زائغة.. والطيران الحربي لا يترك مجالاً لأن يسمع الطالب نفسه ولا أن يسمع أستاذه المشغول (على طول بإعطاء الدروس الخاصة) وهنا لا ألومه أنا.. لأن المعلم -معتر- مثل الموظف وأكثر وما إن تنتهي حصصه حتى يذهب إلى المدارس الخاصة ساعياً إلى لقمة عيشه.
أقول قولي هذا واستغفر ربي إذا ما ظلمت مدرسة واكتشفت أن فيها حديقة ونباتات للزينة وأشجاراً للظل وماء نظيفاً ربما كان هذا منذ نصف قرن.. أو ربما سيكون بعد نصف قرن.. حيث سينتبه المسؤولون إلى أن الأجيال الجديدة هي التي تبني الوطن.. وكي تبني علينا أن نساعدها ونهيئها لتكون كوادر بناءة في مجتمع تخربت كل مقوماته التعليمية والأخلاقية.. وعلينا أن ندرس المكان وتأثيره الإيجابي أو السلبي على التلاميذ وخاصة الأطفال منهم. فلماذا لا نجد من يقوم بحملة شعبية تطوعية لتهيئة المدارس الريفية المهملة المعذبة طالما أن الدولة عاجزة عن فعل ذلك. وطالما أن رجال المال يبنون المطاعم والملاهي ويستثمرون في كل شيء إلا الأطفال.
وهنا لا بد من ذكر تجارب بعض الدول مثل كوبا أو اليابان حيث قررت حكومتا البلدين جعل رواتب المعلمين هي الأعلى في الدولة.. وجعلت من المعلم سيداً مميزاً مرفهاً. وبما أنه لا يوجد في الأرياف السورية سوى شيخ شعبان واحد وتجار كثر وحرامية لا يعدّون ولا يحصون، فكيف نستدل على مثيل لهذا الشيخ الوقور ولأعوانه الشرفاء لنبني ما نستطيع إليه سبيلاً -حيث لا يكلف الله نفساً إلا وسعها-
نحن بحاجة إلى بناء الحس الإنساني الجماعي.. حس التضحية والعطاء والتعود على المسؤولية تجاه مدننا وجيراننا ووطننا.. وهذا يبدأ من الأسرة أولاً.. ثم من المدرسة ثانياً.. لأن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
معاً على الطريق
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 20-3-2019
رقم العدد : 16936
السابق
التالي