الخطوة الأميركية بشأن الجولان المحتل لا تنفصل عن سياق الحرب الإرهابية التي تتعرض لها الدولة السورية ومخطط تقسيمها، وتأتي بعد الهزيمة الواضحة التي مني بها المشروع الصهيو-سعو أميركي باستهداف سورية عبر استخدام التنظيمات الإرهابية على مختلف أشكالها وتسمياتها، وربما تكون السهم الأخير في جعبة واشنطن لمحاولة رفع وتيرة الضغط والابتزاز لتحصيل مكاسب سياسية، عجز محور العدوان عن تحقيقها في الميدان.
ورغم أن خطوة ترامب النابعة من عقلية الغطرسة والهيمنة المعشعشة في رؤوس أركان إدارته إجراء سياسي لن يغير من واقع الأمر شيئاً، إلا أن لها مدلولاتها الخطرة على المدى القصير ربما، حيث تشير إلى نية واضحة لدى واشنطن لتصعيد حربها المفتوحة على الشعب السوري، بهدف تكريس واقع الاحتلال الصهيوني للجولان، من دون الاكتراث للعواقب الوخيمة التي قد تجر المنطقة بأكملها إلى أتون حرب قد لا تتوقف عن حدودها، خاصة وأن الكيان الصهيوني يحاول استغلال الأوضاع الراهنة لنزع اعتراف دولي بعد الأميركي يشرعن احتلاله للجولان، بالتوازي مع سعيه لترجمة (صفقة القرن) على أرض الواقع، مستثمراً مواقف الأعراب المهرولين لإتمام تلك الصفقة.
ترامب يستكمل بعربدته اليوم حربه العدائية على الشرعية الدولية، ويتمادى بانتهاكاته لكل القرارات والمواثيق الأممية، ولكن لن يكون بمقدوره تحويل العالم برمته إلى شريعة الغاب، ولعل الرفض الدولي الواسع لخطوته العدائية، حتى من قبل الدول التي لا تزال تناصب العداء للدولة السورية، وساهمت بدعم الإرهاب فيها، تدلّ على الفشل المسبق لتلك الخطوة، وتؤكد في الوقت نفسه بأن الجولان أرض عربية سورية يحتلها الكيان الصهيوني الغاصب، وأنه لا يمكن القفز على القرارات الدولية بهذا الشأن، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 تحت الفصل السابع والذي حظي بإجماع أعضاء مجلس الأمن بمن فيهم الولايات المتحدة نفسها، وبالتالي لا يحقّ لترامب أو لسلطة الاحتلال القيام بأي إجراءات تغير من تركيبة الجولان الديموغرافية وهويته الحقيقية.
بلطجة ترامب لن تغير مجرى التاريخ، خاصة وأن الشعب السوري الذي يواجه الإرهاب وداعميه، ويوشك على إعلان نصره الكامل، هو اليوم أكثر تصميماً وعزيمة على الاستمرار في النضال حتى تحرير كل شبر أرض، بما فيها الجولان المحتل، فهو جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية السورية، واستعادته كاملاً من الاحتلال الصهيوني، بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي في قائمة أولويات السوريين، وحقّ أبدي لن يخضع للمساومة أو التنازل، ولا يسقط بالتقادم.
ناصر منذر
التاريخ: الأربعاء 27-3-2019
رقم العدد : 16941