كلما ذكر الجولان تغصُّ الروح وتبدأ الذاكرة بالدوران حول تلاله وهضابه ومياهه العذبة وكرومه الغناءة ومناضليه الصامدين.
وكلما ذكر الجولان أتذكر مهرجان الجولان الأول الذي عقد في العام 2007 على الخط الفاصل بين المحتل وبيننا.. نادينا الأهل عبر وادي الصراخ ولوحنا لهم بالأعلام السورية.. بادلونا النداء وأطلوا من فوق الأسطحة رافعين العلم السوري ورايات النصر والشوق إلى الوطن الأم.. بكينا.. وهم بالتأكيد بكوا.. راقبنا بيوتهم القريبة البعيدة وتملكتنا غصة الحرمان والغضب.. وعلى الرغم من البرد الشديد جداً تسمرنا على التلة المقابلة ونحن نهم بالنزول إلى وادي البكاء أو وادي القهر والفراق لنلمس الأرض المحتلة والوجوه الحبيبة من أهلنا الجولانيين الذين ما زالوا يحتفظون بهويتهم السورية ولغتهم الأم وتراثهم وعاداتهم السورية العربية.
ولكن العدو الغاصب كان متأهباً بأسلحته الفتاكة يحاصر الجهات كلها فضلاً عن محاصرة بيوت مجدل شمس فارضاً عليهم الخروج من منازلهم والتلويح لنا.. رأينا الجنود المتوحشين يهرولون في شوارع مجدل شمس ويضربون بعصيهم الشعب السوري.. إلى أن خلت ساحة مجدل شمس من أهلنا ولم يبق سوى جنودهم المدججين بالسلاح وكلابهم البوليسية الشرسة. غير أن شعبنا في مجدل شمس وقفوا وراء نوافذهم وراحوا يلوحون لنا بمرايا صغيرة عاكسة للضوء تقول: (ها نحن نراكم.. نسمعكم.. نتواصل معكم) كان المشهد فظيعاً، مؤلماً، وكان الفراق صعباً، عند غروب الشمس وهطول البرد الشديد. كان المهرجان يضم أسماء أدبية وعربية وأجنبية مهمة وحضوراً سياسياً وإعلامياً لافتاً، إذ حضر وزير الخارجية وليد المعلم ووزير الإعلام وعدد كبير من السياسيين. كانت الأبحاث مهمة حول تاريخ الجولان وجغرافيته وخصوصيته وما يحتويه من مياه كبريتية ومياه عذبة تسرقها إسرائيل إضافة إلى الآثار والأوابد التاريخية محاولة أسرلته ومحو خصوصيته.
في ختام المهرجان طالبت وزير الإعلام بتخصيص برنامج تلفزيوني عن الجولان كل أسبوع أو كل شهر بحيث يتم إلقاء الضوء على هذا الجزء الغالي من وطننا الحبيب سورية، خاصة أن الأجيال الشابة لا تعرف إلا القليل عن الجولان.. ولا يعرف مدى الجرح النازف في عمق كل سوري عاش النكسة وخسارة الجولان وتشريد الآلاف وبقاء الآلاف أيضاً تحت نير الاحتلال الصهيوني.. وفعلاً تم ذلك.. وكان برنامج الجولان متابعاً من فئات عمرية مختلفة. اليوم وبعد هذه المقدمة الطويلة.. وبعد ما تتداوله سياسة ترامب العدوانية المتغطرسة عن الجولان بالاتفاق مع الصهاينة لا بد من التنبه إلى خطورة ما يجري.. ولا بد من شحذ الهمم الإعلامية لوضع الجولان في دائرة الضوء وإعادة الجولان إلى الذاكرة الجمعية وخاصة الشبابية.. وقد كان هناك هبة رائعة من شباب سورية عندما تحرك الإعلام في بداية الحرب على سورية حيث ذهبت قوافل الشبان من كل محافظات سورية لملاقاة الجولان وقطعوا السياج الشائك ودخلوا أرض الجولان المقدسة.. ذهب شهداء مباركون نعم.. ولكن أعاد روح الجولان إلى الحياة. فتنسم السوريون نسيم الأرض الحبيبة.. وهذا الأمر مطلوب اليوم.. ومطلوب أن نتذكر لواء اسكندرون ونتحدث في نشرات الأخبار عن أحواله وطقسه وأمطاره.. محتاجون لأن يعرف الشباب السوري الذي لم يعرف كيف ذهب اللواء وكيف تمت المؤامرة بين الدول الاستعمارية لسلب اللواء وسلب الجولان الذي لولا الخيانة لاستعاده الجيش السوري في حرب تشرين التحريرية.. مع ذلك لا بد من إعلام هادف يعرف الأجيال الصاعدة بأرضه وحدودها وتاريخها حتى تبقى العاطفة موصولة وحكايات البطولة مستمرة والذاكرة نشطة لاستعادة الحق مهما طال الزمن.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 27-3-2019
رقم العدد : 16941