مذ كانت الوديان والغابات جزءاً من ملاعب الطفولة حين ننسرب وراء الأهل إذ يتجهون إليها لإحضار الحطب.. مذ ذاك كانت عيدان السنديان والبلوط المستقيمة تستهويني كعصا هي جزء من عوالم الطفولة فمن غير المقبول أن تكون في مجموعة اللعب وليس معك عصا… كثيرون اتخذوها من المران وزخرفوها بطريقة فنية حتى تبدو كأنها فعلاً تحفة.
وآخرون كانت أعواد الرمان هي العصا وصاحب الحظ من يجد شجرة فتية زاهية يقتلعها من الجذر ويعمل على أن تكون نهايتها معكوفة لتبدو وكأنها عكاز حقيقي.. ثمة طريقة أخرى إذ يترك الجذر الثقيل وكأنه بيضة استعداداً لعراك ربما يحدث بين الفتية.
وحين نتوغل بالغابة كان أبي يختار أقوى العيدان لتكون ركائز الشجر وينتقي أجملها ليكون عصا بيده تسنده في الدروب الوعرة التي حفرتها خطوات العمل… وتمضي الأيام وترث أمي هذه العصي وترفض أن يحل الخيزران مكانها فهذه كما تقول أكثر حناناً وثباتاً لأنها بنت أرضنا وغاباتنا وتردف قائلة: عكاز البشر أفضل من الشجر
نعم صدقت فلسفة أمي… عكاز البشر سندك فمن لا يسنده بشر لا يحمله ولا يظله شجر… وها أنا يا أماه أعيش التجربة عكازان من بشر وشجر.
أن يكون لك أصدقاء وزملاء هم السند الذي لا ينكسر ولا ينحني يهبون معك من مكاتبهم إلى حيث تريد مندفعين كأنك الأخ الوحيد لهم… أليس هذا العطاء والعكاز الأنبل.. بلهفة الصدق منتصف الليل يتابعون وضعك في المشفى من رأس هرم التحرير إلى الزملاء الذين يحضرون بسرعة إلى حيث أنت… دفء نعيشه حيث عملنا منذ أقل من عقد من الزمن ترسخ ونما وتجذر عميقاً بالمكان..
فالكل جسد واحد حين يستدعي الأمر.. ليس كلاماً من فراغ ولا هو تهريف إنما هي حصيلة التجربة الشخصية التي أمرُّ بها.. أشعر أن عكاز الأمل… عفواً جذر الأمل أعطاني مزيداً من القوة والثبات أن في هذا المكان نفحات إنسانية كنا ننتظرها قبل عقد من الزمن لكنها جاءت وصبغت المكان ببساطة حين يكون زملاؤك مديريك… وكل من بالعمل حين يكونون من النبل هكذا فأنت تعرف كيف تقاوم المرض كيف تثق أن الدنيا بلا هؤلاء كون مظلم.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 5-4-2019
الرقم: 16949