هي حالات عديدة يتنصَل فيها الأهالي من مسؤولياتهم التربوية تجاه أبنائهم لحجة يسوقونها أنه لم يعد هناك مجال للتأثير والتغيير فقد بذلوا جهدا بما يكفي ولم يعد بالإمكان أكثر مما كان ..وهناك حالات أخرى لاييأس الوالدان من متابعة أولادهم دراسيا وتربويا واجتماعيا ومع الوقت تترسخ فيما بينهم علاقة وطيدة أساسها المحبة والثقة وعمادها الصدق .
تدعم هذه العلاقة البحث عن الحلول لأي مشكلة قد تعترض حياة الأبناء ,لا بل ويشاركونهم كل صغيرة وكبيرة .كما يتمكن الأهل عبر هذه العلاقة المتينة من بث الأخلاق الفاضلة و المبادىء النبيلة في منظومة الأبناء الفكرية والاجتماعية والتي لا يبدلها لا زمان ولا مكان ولا تتبدل مهما اختلفت الظروف وتقدم بهم العمر .
تلك الأخلاق والمبادئ و مرتكزاتها لا تتغير مع التقدم التكنولوجي ولا تتأثر صيغتها مهما حاول البعض الادعاء بذلك أو رمى أسباب المشاكل الأسرية إلى ما تسببه وسائل التواصل الاجتماعي من اختراق لخصوصية شبابنا وأبنائنا وبالتالي العائلة ولاحقا المجتمع بأكمله .فمهما طرأت مستجدات تبقى الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية والبيئة الأولى التي ترعى الفرد وهي البيئة المنزلية الجديدة التي يتوافر فيها الاهتمام بالشأن الصحي و الاجتماعي والثقافي .ومن هنا كان لها هذا الدور الأعظم في النمو الجسمي والنفسي والعقلي للفرد بالشكل الذي يعطيه الفرصة المناسبة للحد الأقصى الذي تؤهله قدراته وميوله .
(تثقيف أبنائكم فيه النجاة لكم من المذلات والعلَات والإحن)
قد تكون مقولة الشاعر خليل مطران أدق وصف لما يريده الاختصاصيون من مفهوم التربية الأسرية والذي يركز على كيفية تعامل الوالدين مع أبنائهم، لتنشئة اجتماعية سوية وبناء علاقة صحية معهم قائمة على الصدق والصراحة، وخلق جو أسري دافئ، باعتبار الأسرة هي الوسط الأول الحاضن لهم، والمؤثر تأثيراً بالغاً فيما يدور في ذهنهم من أفكار ومعتقدات وما يبدر عنهم من تصرفات وسلوكيات.
أما عن أساليب التربية التي يجب أن تعتمدها الأسرة لضمان نجاحها فهي تتضمن ثلاثة أساليب أولها التوجيه والذي يقوم على الحوار الفعّال الذي يعمق الثقة والروابط الوجدانية بين الأبناء ووالديهم، ثانيها الملاحظة والمتابعة و يتمثل هذا الأسلوب بملاحظة مدى التزام الأبناء لتوجيهات أهلهم المتجسدة بتصرفاتهم خارج البيت وداخله. ثالثها القدوة حيث يشكل الوالدان القدوة الأولى لأبنائهم، فيحاكونهم في كل ما يبدر منهم، لأنه من الصعب على الإنسان أن يطيع الآخرين في شيء هم غير ملتزمين به أصلاً. رابعها العقاب و يندرج ضمن الواجب التربوي للوالدين إظهار بعض الحزم والشدة إن استدعت الأمور ذلك، لذا يجب عليهم أن يراوحا بين الود والعقاب، ويشار إلى أن العقاب لا يعني الضرب المبرح أو أي شكل من أشكال التعنيف بالغ الضرر.
تقول السيدة أحلام ملحم مشرفة المنهج الصحي في مديرية تربية طرطوس :
مهما تعددت المصادر والوسائل التي تؤثر في تشكل الوعي الجمعي عند الناشئة يبقى للأسرة الدور الرئيس في نمو الوعي عند الأبناء لأنها الحضن الذي يرعى ويحمي ويسقي تلك البذور لتنمو وتصبح براعم وتصبح فيما بعد إنساناً فاعلاً في مجتمعه هذا إذا كانت الحياة طبيعية وتسير بيسر أما في أوقات الحروب ,فقد تحصل الويلات والكوارث والتشرد كما يحصل الآن في بلدنا الحبيب فتجد كثيرا من الأسر صعوبة كبيرة في لم شملها .ولكن يبقى للآباء والأمهات الدور الأعظم في مستقبل الأجيال والدرع الأول للدفاع عن بنية الأسرة وحمايتها من الانحراف مهما كانت الظروف .
لأن الأسرة المتماسكة كالشجرة المتجذرة في الأرض لا تستطيع أقوى العواصف أن تقتلعها .كما يشكل الوعي الفردي درعاً حصيناُ للفرد والأسرة والمجتمع حيث نجد أن الفرد الواعي يستطيع أن يبني أسرة متماسكة وبدورها الأسر المتماسكة تبني مجتمعاُ قوياً رغم ظهور كثير من المصادر والوسائل التي تؤثر كثيراً على الوعي الفردي والجمعي وقد تؤثر سلبياً في تشكله.وعن أهمية دور المدرسة والمجتمع والبيئة المحيطة والأصدقاء تتابع السيدة أحلام قائلة إن هذا يأتي في الدور الثاني الذي يكمل دور الأسرة في تكوين الوعي .
كما تلعب وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حالياً دوراً كبيراً في تكوين الوعي الجمعي عند الناشئة وهذا ما جعل دور الأسرة يزداد صعوبة ويتراجع قليلاً عند معظم الأسر وزادته سوءاً الحرب القذرة مما أدى لفرط عقد المنظومة الأخلاقية المبنية على العادات والتقاليد والأصالة ليظهر تأثير مواقع التواصل الأشد على الأجيال .ولكن أنا وجدت من خلال عملي في التربية أن قسماً كبيراً من الجيل أصبح أكثر وعياً وذكاء فبدأ ينفض عن كاهله بعض الطقوس والعقد البالية التي تقيده ويعي حقوقه وواجباته وفي المقلب الآخر نجد هناك فئة ضائعة تمسكت بالقشور والمظاهر وهذه تحتاج إلى تضافر الجهود من قبل المؤسسات التربوية لمتابعتها وتوجيهها ورعايتها .
الدكتورة فردوس صواف معالجة نفسية بالطرق التحليلية، و السلوكية، و المعرفية،محاضرة لمواد علم النفس مهتمة بالقضايا الإنسانية ترى في الواقع الافتراضي الذي يعيشه أفراد الأسرة واقعا حقيقيا ونتيجة حتمية لما تفرضه الظروف .وتجد في وسائل التواصل مع هذا الواقع فائدة بعدة أوجه تشمل أفراد الأسرة بكاملها .
وقد جاءت إجابتها تحليلا واقعيا لما يعيشه المجتمع مابين مع أو ضد الواقع الافتراضي فقالت : لقد بالغ الآخرون عندما دعوه باﻻفتراضي فهو في جزء منه حقيقي بأسماء موجودة على أرض الواقع فعلا و نتعامل معها بهذه الوسيلة الهامة للتواصل و في جزء آخر يمكن أن يتحول إلى حقيقي عندما تجمعنا فرص اللقاء بشخصيات تم التعارف معها بهذه الوسيلة و في جزء آخر هو افتراضي عندما ﻻ تكون الشخصيات التي نتعامل معها حقيقية. و في كل الحاﻻت يبقى لهذه الوسيلة العديد من الفوائد التي ﻻ يمكن نكرانها كالتنفيس اﻻنفعالي و بناء العلاقات اﻻجتماعية و طرح اﻷفكار و البحث عن فرص عمل و اكتساب المعلومات و مشاركتها مع الآخر و تلبية حاجات المتعة و التسلية و اﻻطلاع على كل جديد و التواصل مع العالم الخارجي و عرض اﻷفكار بحرية قد ﻻ تتاح في أي وسيلة أخرى و التواصل غير المكلف ماديا مع اﻷقارب و اﻷصحاب وعرض إنتاجنا الفكري و غيره على اﻵخرين و غير ذلك من فوائد.
وجاءت على فكرة أهمية عقد اتفاقية بين أفراد الأسرة على عدم استخدام وسائل التواصل أثناء الوجبات التي تجمع أفراد الأسرة وهو ما يخلق جوا أسريا نفتقده في جلساتنا العائلية.كما ركزت د.فردوس على مراعاة تلبية حاجات الأبناء وفق مراحلهم العمرية تلافيا و تخفيفا لاعتمادهم على وسائل التواصل لتلبيتها او الهروب من واقع أسري لا يحقق لهم هذه الحاجات.
ريم العلي مرشدة نفسية تقول :الأسرة نواة المجتمع وعمودها الفقري وعندما تكون تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة سليمة فنحن نضمن صلاح الأسرة لأنه بذلك يصلح المجتمع ويسمو بالتقدم والرقي والقيم والأخلاق الحميدة.وهذا ينعكس إيجابا على الأبناء عندما نساعدهم على النجاح بحياتهم العلمية والعملية و تكوين أسرة ناجحة وسليمة في المستقبل. وتمكينهم القدرة على التعامل مع الآخرين بصورة جيدة وبدون عدوانية واحترامهم والتعاون معهم .
وتضيف أنه مازال للأسرة دورها المباشر والأساسي عبر متابعة الأبناء المستمرة والحوار و إعطائهم الاستقلالية والاعتماد على الذات وهو ما يجعل منهم أفرادا على قدر من المسؤولية .وهذا شكل من أشكال نجاح الأسرة في تربيتها الأسرية .الأسرة التي تكون القدوة والتي منها ينهل الابن الأخلاق والقيم والمبادىء وتكون زوادته في حياته .
لكن أغلب الأحيان بات الأهل يقعون تحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه الثورة في عالم التكنولوجيا من تأثيرات سلبية قد تأتي أحيانا على بعض من أسس التعامل مع الأبناء وبالأخص الأطفال الذين يجدون في الخلوي عالما فسيحا للمتعة واللعب والشباب. وهنا يبرز الدور الفعال الذي على الأهل اتخاذه في هذا الشأن حتى لا يحدث الخلل في تنشئة الأبناء خاصة وأن الوالدين قد يسجل لهما غيابهما عن البيت بسبب طبيعة عملهما أو ظروفهما الحياتية .
الأبناء أمانتنا
بناء جسر التواصل والحوار والذي أساسه الثقة والدراية بحاجيات الأبناء هو الجسر الضامن للوصول بهم إلى حياة ناجحة يبنون فيها علاقات سليمة مع الآخرين من أصدقاء وأقرباء و التصرف بحكمة في مواجهة مشكلاتهم و ضبط الرغبات والعواطف والتصرف بشكل عقلاني بالإضافة إلى الهدوء واللباقة في التعامل مع الآخرين سواء في الدراسة أو في العمل مع التأكيد دائما على زرع بذور الخير أينما حلت خطواتهم .
لجينة سلامة
التاريخ: الاثنين 8-4-2019
الرقم: 16951