من بعد فشل مشروع استهداف خط المقاومة (حزب الله سورية إيران) صيف 2006، ومن بعد تَعثر ولادة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي حَملته كونداليزا رايس، ومن بعد عدم جدوى تَشكيل مجموعة دول الاعتلال العربي، ومن بعد هزيمة مشروع استهداف سورية بالإرهاب، كان لا بُد لأميركا وتَحالف الشر الذي تَقوده من أن تُنتج رئيساً على شاكلة دونالد ترامب كي يُحدث الفَرق المطلوب، بتحقيق ما عَجزت عنه الإدارات السابقة التي تَعاقبت على البيت الأبيض منذ جورج بوش الصغير على أقل تقدير.
من أجل ذلك، جِيء بترامب على خلفيات الطَّعن به وبأهليته: ليس سياسياً، غير لائق، تاجر، تاريخه مُثير للجدل، مُتقلب.. إلى آخره مما طَفح به الإعلام الأميركي لا غيره، ومما قِيل داخل المؤسسات ومراكز البحث الأميركية وليس الأجنبية، وكان ما كان، وتَحقق ما تحقق حتى الآن، على أن النقطة المفصلية في الحركة الكُلية كما يَعتقد الكثيرون حول العالم هي 20 أيار 2017.
في العشرين من أيار 2017 نَزَلَ ترامب ضيفاً على بني سعود، ملأَ الحقائب بما يَزيد عن نصف تريليون دولار، اجتمعَ مع 52 إمّعة عربية وأعرابية وإسلامية، ثم غادر إلى فلسطين المُحتلة ليُهدي بنيامين نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني الإنجاز، إذ بَدأ الحديث من هذه النقطة عن تَشكيل ناتو عربي، ثم عن صفقة القرن، فضلاً عن تحالفات عَلنية مع إسرائيل، وتمّ الشروع بالتنفيذ.
حَزيران 2017، ولإحداث مَزيد من الإثارة تُوقع واشنطن بين قطر وما سُّمي لاحقاً دول المُقاطعة، ولمَزيد من التَّشويق تُحرك الولايات المتحدة زمرة من المُرتزقة داخل إيران تُهاجم بالأسلحة البرلمان ومَرقد مُفجر الثورة، ثم ليَتم القفز مباشرة لتنفيذ الخطوة التي وُصفت بالانفجار (استفتاء كردستان العراق على الانفصال أيلول 2017) الذي كان ينبغي أن يَتشظى دويلات من ذات اللون الواحد ليَمر مشروع يهودية الكيان الغاصب.
الأحداثُ المُبرمجة والمُعد لها التي تَعاقبت منذ إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني أيار 2018 وما أثاره من تداعيات وارتدادات لم تَكن عَبثية بل مُخطط لها، وقد ضاعفت من احتمالات اشتعال النيران حماقات ترامب اللاحقة، القدس والجولان، وتَصاعد الحديث عن ضم الضفة، ليَختتم أحمق البيت الأبيض حلقة التصعيد في هذه المرحلة بتَشديد العقوبات على سورية، وبإصدار حزم متلاحقة منها لاستهداف روسيا وإيران، وصولاً لإعلانه الحرس الثوري الإيراني إرهابياً، وتصنيفه رسمياً على قائمة الإرهاب.
بذلك هل اعتقد ترامب بأنه مَلأ الصندوق لنتنياهو عَشية الانتخابات، ربما، فالأخير لم يَتأخر بالتعبير عن امتنانه: (شكراً لأنك استجبت)، ما يؤكد أن الحركة الأخيرة صهيونية خالصة، وما سَبَقها أيضاً، وهي حلقاتٌ في سلسلة لم يَتسع المجال هنا إلا لذكر مَحطات أساسية في مسار لن نَدعه يَكتمل – نحن خط المقاومة المَعنيون بمحاربة الإرهاب ومناهضة سياسات الهيمنة – بل بحركة نجيد أداءها بدقة احتراف قد ندع تحالف الشر يجد نفسه أمام استحقاق تَفجر صندوق شروره بين يديه.
نَثق بأن مُحاولة خَنق سورية بالعقوبات لن تَنجح، نؤمن أن الرهان الصهيوأميركي على الأعراب وعلى إعادة إحياء الأذرع الإرهابية هو رهان المُفلس العاجز، نَعتقد أن الجولان لن يكون إلا سورياً وأنّ القدس ستبقى العاصمة الأبدية لفلسطين، ونرى أن تَصنيف الحرس الثوري الإيراني حماقة لن تُغير بالواقع شيئاً، لكن ما الضمانات التي يَعتمد عليها ترامب – نتنياهو ومجموعة الحَمقى المُنتشرين حولهما؟ إنّ تَرهيب الشعوب والحكومات بالتطاول والبلطجة لن يَمر، ولن يَبقى بلا أثمان، وإنّ من يعتقد خلاف ذلك سيكون مُنفصلاً عن الواقع والتاريخ الذي لم يَغتن إلا بحركة الأحرار، الوطنيين، الشرفاء.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 11-4-2019
رقم العدد : 16954