في مؤشرات التقرير الوطني الأول للتنمية المستدامة في سورية .. صابوني: التقرير يعبر عن حالة التنمية المستدامة وهو شاهد على تجاوز مفاعيل الحرب

كثيرة هي المؤشرات والإحصاءات القيمة التي تضمنها التقرير الوطني الأول للتنمية المستدامة حول سورية لفترة قبل الحرب وما وصلنا إليه من تقدم في كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولفترة ما بعد الحرب وما نتج عنها من دمار وكوارث في كافة الجوانب أيضاً.
التقرير الذي أطلقته هيئة التخطيط والتعاون الدولي وبجهود وخبرات وطنية يعطي صورة واضحة ودقيقة لأي مطلع حول ما ارتكبته الدول المتآمرة على الشعب السوري ومدى أثر العقوبات أحادية الجانب المستمرة على بلدنا.
إطلاق التقرير يؤكد التزام سورية بالإجماع الدولي حول الإطار الأشمل للجهود التنموية الدولية المتضمن أهدافاً عالمية من أجل التنمية المستدامة: (خطة التنمية المستدامة لعام 2030) واعتماده كبرنامج عمل يهدف إلى تعزيز الحريات والسلام في العالم والقضاء على الفقر، من قبل قادة الدول ورؤساء الحكومات وممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والعمل على تنفيذ هذه الخطة الطموحة التي تشكل بأهدافها الـ 17 وغاياتها 169 استمراراً في استكمال تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لعام 2000 ويقدم التقرير للمجتمع الدولي وللسوريين ما حققته سورية من أهداف ومقاصد قبل الحرب عليها، وما خلقته الحرب من انحراف فيما بعد عن مسارات التنمية من فجوات في أهداف التنمية الألفية.
أهداف الخطة العالمية الطموحة
تتلخص تلك الخطة لعام 2030 في القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتوفير الأمن الغذائي، وضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية والتعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين لجميع النساء والفتيات، وضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي وإدارتهما إدارة مستدامة، وحصولهم بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والمستدام والشامل، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، وتحفيز التصنيع، وتشجيع الابتكار، وجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود، وضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج، واتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره، وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام، وحماية النظم الإيكولوجية البرّية وإعادتها إلى حالتها وتعزيز استخدامها وإدارة الغابات ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، والسلام والعدل والمؤسسات وتعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية.
ما هدف التقرير الوطني الأول في سورية؟
هدف التقرير الوطني الأول للتنمية المستدامة تقييم التقدم المحرز الذي حققته سورية في مجال الإنماء خلال الفترة بين عامي 2000 و 2010، والوقوف على تأثيرات الحرب الإرهابية، التي شنّت على بلدنا، في مختلف مؤشرات الأهداف الإنمائية للألفية خلال الفترة بين عامي 2011 و 2015 (الانحراف عن المسار) في حين كان الهدف الثاني منه استخدام مخرجاته لتظهير أثر هذه الحرب على جهود الدولة السورية بمسعاها لتحقيق أهدافها التنموية في إطار التزامها بتحقيق الأهداف الأممية، أما الهدف الثالث منه فكان الاستفادة من نتائجه والأولويات والمؤشرات الموضوعة في متنه لإعداد خطط التنمية في سورية فيما بعد انتهاء الحرب.
شاهدٌ على مرحلة مفصلية
يقول رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور عماد صابوني: إن هذا التقرير يعبر في مضامينه عن حالة التنمية المستدامة في سورية بجميع أبعادها ومؤشراتها المختلفة، وليكون شاهداً على مرحلة مفصلية بدأت سورية معها بتجاوز مفاعيل الحرب التي شُنتَّ على أوجه التنمية فيها، وأدت إلى دمار واسع في مقوماتها، من البنى التحتية والموارد البشرية ومكامن الإنتاج؛ لكنها استطاعت، بفضل عراقة مؤسساتها وإصرار أبنائها تجاوز قسط كبير من الآثار المدمرة لهذه الحرب، والانطلاق من جديد نحو استعادة مسارات التنمية.
وأضاف: إن هذا التقرير يرصد – كبداية الانطلاق باتجاه أهداف التنمية المستدامة- ما تحقق من أهداف التنمية الألفية، التي شكلت في عام 2000 نقطة إجماع دولي في (إعلان قمة الألفية الجديدة)، وليوضح بصورة جلية ما تحقق من أهدافٍ ومقاصد قبل الحرب، وليبرز أثر الحرب على الانحراف عن مسارات التنمية والفجوات التي خلفتها على أهداف التنمية الألفية.
مصادر البيانات
يتضمن التقرير العديد من المؤشرات المهمة واللافتة لفترة ما قبل الحرب وبعدها في سورية، حيث استندت الجهات المشاركة (وزارات – جهات حكومية – مراكز أبحاث ودراسات…) إلى مؤشرات وبيانات رسمية في المكتب المركزي للإحصاء والوزارات والجهات المعنية بأهداف التنمية المستدامة، كما تم اللجوء إلى تقديرات منهجية لبعض المؤشرات التي لا تتوفر لها بيانات رسمية، بالإضافة إلى الاعتماد على بعض المؤشرات التي توفرها المنظمات المختصة في مجالات التنافسية وتطوير بيئة الأعمال والتي كانت على تعاون وثيق لإنتاج ما يخص سورية منها قبل الحرب، دون إغفال أثر الحرب التي تعرضت لها سورية في إمكانية إنتاج البيانات الإحصائية والمؤشرات التنموية، كما تأثيرها أيضاً على جهود التنمية.
6.4% من السوريين عاشوا فقراً مدقعاً في عام 2015
استطاعت سورية قبل الحرب أن تحقق هدف الألفية الأول في القضاء على الفقر المدقع والجوع الذي يقاس بعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1.25 دولار في اليوم قبل حلول عام 2015 فقد بلغت نسبة الفقر عند هذا الخط في اليوم بتعادل القوة الشرائية في عام 2010 بحدود 0.2% ما جعل سورية حينها ضمن مجموعة الدول التي حققت هدف الألفية (القضاء على الفقر) قبل حلول عام 2015، في حين بسبب الحرب ارتفعت هذه النسبة لتصل 7% في عام 2013 لتتراجع في عام 2015 لتصل 6.4% والسبب يعود إلى الاستقرار الذي شهدته العملة الوطنية بالإضافة إلى عودة جزء من مكامن الإنتاج السلعي والخدمي.
وصل معدل الفقر الغذائي إلى حدوده الدنيا قبل بداية الحرب، حيث قدرت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر الغذائي بنحو 1.1 % من إجمالي السكان عام 2010، ثم توقفت المسوح التي تتيج بيانات عن دخل ونفقات الأسر خلال سنوات الحرب، واستبدلت بمسوح تعنى بقضايا الأمن الغذائي، كمسح الأمن الغذائي الأسري لعام 2015 الذي تشير نتائجه إلى أن الأمن الغذائي في سورية تأثر تأثراً كبيراً خلال سنوات الحرب، حيث يعاني 33 % من الأسر السورية من انعدام الأمن الغذائي. وقد تفاوتت هذه النسبة بين المحافظات، حيث كانت النسبة الأقل في محافظة اللاذقية 11 % والنسبة الأعلى في محافظة الحسكة 51 %.
في حين بلغت نسبة الآمنين غذائياً 16 % على مستوى سورية، والنسبة الأعلى كانت في محافظتي دمشق واللاذقية 24% مقابل 4% فقط في محافظتي الحسكة والقنيطرة، أما النسبة الغالبة من السكان والبالغة نحو 51 % فيقعون في منطقة الضعف.
41.5% من السكان عانوا من الفقر الشديد في عام 2015
بين التقرير أن سورية قبل الحرب وُصفت في تقارير التنمية الألفية الوطنية والعربية بأنها من الدول التي كانت على المسار الصحيح لتحقيق هدف الألفية المعني بخفض معدلات الفقر المقدر بنسبة 7.2%، والسبب يعود إلى أن نسبة الفقراء فقراً شديداً في سورية بلغت 8.5% قبل الحرب، إلا أن الحرب أدت إلى ارتفاعات غير مسبوقة في معدلات الفقر وفق خطيه الشديد والعام، لتسجل نسبة 43% في عام 2013 من السكان الفقراء فقراً شديداً لينخفض في عام 2015 ليصل بحدود 41.5%.
إنتاج الطاقة الكهربائية انخفض إلى 24 مليار ك.و.س عام 2014
نتيجة لاتساع المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية والسياحية في سورية قبل الحرب وتحسن مستوى الدخل للفرد ازداد الطلب على استهلاك الطاقة الكهربائية من 23 مليار كيلو واط ساعي عام 2000 إلى 49 مليار ك.و.س عام 2011 (بمعدل 7% سنوياً) وبالتالي لتزداد حصة الفرد من 1450 ك.و.س بالسنة عام 2000 إلى نحو 2350 ك.و.س في عام 2011 (أي بمعدل نمو سنوي وسطي 5.4% سنوياً) ووصلت نسبة المستفيدين من الكهرباء إلى قرابة 100% وتم استكمال إنارة جميع التجمعات السكنية في الريف السوري وتزويدها بالكهرباء، واستطاعت وزارة الكهرباء مواكبة هذه التطورات، إلا أنه نتيجة الحرب والاعتداءات على حقول إنتاج النفط والغاز وعلى خطوط النقل من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة وعمليات (التحالف الدولي) والميليشيات المتعاملة معه انخفض إنتاج النفط والغاز ما أثر سلباً في تلبية احتياجات محطات توليد الكهرباء من الوقود، لينخفض إنتاج الكهرباء من 49 مليار ك.و.س في عام 2011 إلى 24 مليار ك.و.س عام 2014، أما في عام 2015 فبلغت الطاقة المنتجة في محطات التوليد نحو 20 مليار ك.و.س (بمعدل انخفاض سنوي بحدود 20%)
والسياحة أكثر المتضررين
لا شك أن القطاع السياحي كان أكثر القطاعات تأثراً من الحرب نتيجة استهداف الجماعات الإرهابية المسلحة للمواقع الأثرية ونهب وتهريب موجوداتها بالإضافة للتدابير الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على سورية وتراجع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وفي هذا يشير التقرير إلى صعوبة القياس الدقيق لهذا التأثر، ليتم الاستدلال عن طريق مؤشرات بديلة، التي أظهرت تراجعاً كبيراً خلال عامي (2011 و 2015)، فقد بقيت أعداد الفنادق والأسرة تقريباً على حالها خلال فترة الحرب، وتراجع وسطي معدل النمو للقادمين من العرب 32.1% والأجانب 56.4% فقد كان معدل نمو نزلاء الفنادق للعرب والسوريين 1.6%، والأجانب 66.2%، وبالنسبة لزوار المتاحف، فقد تراجع عددهم بمعدل وسطي 27.8%، وعدد زوار المواقع الأثرية بمعدل وسطي إلى 60.9%.
عودة الألق للمنشآت الصغيرة
تطوير البيئة التشريعية الناظمة والمحفزة للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وتبسيط الإجراءات أدى إلى زيادة عدد المناطق الصناعية في سورية زيادة ملحوظة خلال السنوات الماضية بالرغم من مفرزات الحرب، فالتقرير يبين أن عدد المدن والمناطق الصناعية والحرفية في عام 2010 بلغ 90، لتصل في عام 2015 لـ 108، إلا أن المؤشرات الفرعية تشير إلى انخفاض عدد المنشآت العاملة في الفروع الصناعية وبدرجات كبيرة وذلك بين عامي 2011 و 2014، فقد انخفضت أعداد المنشآت من 1409 منشآت في عام 2010 إلى 277 في عام 2013 ليعود عدد كبير من المنشآت نتيجة التسهيلات التي قدمتها الحكومة ويصبح عددها 570 في عام 2015.
كما انخفض عدد المشاريع الصغيرة الحجم المستفيدة من خدمات الإقراض والتمويل انخفاضاً كبيراً خلال سنوات الحرب من نحو 73 ألف مشروع عام 2011 إلى 28 ألف مشروع عام 2015، ويعزى هذا التراجع حسب التقرير إلى الضرر الذي أصاب هذه المشاريع بالإضافة إلى حركات النزوح السكاني نتيجة ظروف الحرب.
الاستثمار الأجنبي انعدم في 2012 قبل أن يعود…!
في عام 2010 سجل الاستثمار الأجنبي من إجمالي الاستثمارات في سورية نسبة 21.8% لتتناقص هذه النسبة مع بداية الحرب وتصل إلى مرحلة الانعدام في عام 2012 في ظل تراجع وتناقص في عدد الاستثمارات بشكل عام لتعود بشكل متذبذب خلال الثلاثة الأعوام المتتالية مسجلة في عام 2013 نسبة 23.5% بقيمة حوالي 4.2 مليارات ليرة، ثم انخفضت في عام 2014 لتصل إلى 0.4% وترتفع مجدداً في عام 2015 وتبلغ 16.4%.
الكثير من العلم والعمل
هناك الكثير من المؤشرات في التقرير تبرز آثار الحرب على سورية والتخريب الممنهج لها، والتي تحتاج إلى صفحات لنشرها، لذلك فضلنا اختيار مجموعة صغيرة منها، تكفي أي قارئ لتصور آثار الحرب المدمرة، وكم نحتاج من الوقت والجهد لعودة بناء سورية بالحد الأدنى كما كانت، وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعب السوري قسراً منذ بداية الحرب وإلى تاريخه… نحن جميعا أمام مرحلة تاريخية مفصلية مهمة في التاريخ السوري وتحتاج الكثير من العلم بما يجب أن نقوم به أولاً والقيام بفعله ثانياً، فهل ما نقوم به حالياً هو كذلك… نأمل ذلك.

فارس تكروني
التاريخ: الاثنين 15-4-2019
الرقم: 16957

 

 

آخر الأخبار
انطلاق سوق "رمضان الخير" في دمشق لتوفير المنتجات بأسعار مخفضة المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد"