السابع عشر من نيسان من كل عام , سيبقى يشكل علامة فارقة و مميزة في تاريخ سورية الحديث , ففي مثل هذا اليوم تمكّن الشعب السوري وبإرادة قوية وعزيمة لا تلين ، التي لا تلين انتزاع النصر من عيون ومطامع المستعمرين, النصر الذي جاء بعد نضال عتيد دام ربع قرن ضد الاستعمار الفرنسي البغيض ، تمثل من خلال ثورات متعاقبة امتدت مساحتها على كل الجغرافيا السورية ،
في الذكرى الثالثة والسبعين لعيد الجلاء أستقي هذه المادة لكتابة سيرة بعض المجاهدين والشهداء الأبطال من أبناء جبل العرب ,هؤلاء الأبطال الذين برزوا في ساحات القتال أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي بقيادة المغفور له سلطان باشا الأطرش وكانت شجاعتهم مضرب الأمثال وأفعالهم تشبه الأساطير.
المجاهد صالح القضماني قاهر الدبابة الفرنسية
كان في العشرين من عمره إبان الثورة اشترك مع رفاقه المقاتلين من قريته قنوات في معركة تل الخاروف عصر اليوم الأول، وفي فجر اليوم الثاني تقدم صفوف المقاتلين في معركة المزرعة وخلال المعركة خرجت مصفحة للعدو من مكانها واندفعت إلى الأمام ،وأخذت تطلق نيرانها على الجهة التي كان القضماني يقاتل فيها فأصابته بأربع إصابات ,الرصاصة الأولى اخترقت فكه الأيسر وخرجت من الفك الأيمن والثانية اخترقت يده اليسرى والثالثة في كتفه ،الرابعة في قدمه اليسرى,لم تخذله هذه الرصاصات الأربع ولم يأبه للدماء النازفة,بل صمد وانتزع كوفيته وضمد بها جراحه ووثب إلى سنام المصفحة وبندقيته بيده ومن فجوتها صوب بندقيته إلى رأس قائدها فقتله ولاذ بقية الجنود في جوانبها وأخذت المصفحة تترنح ووقفت على كتف منحدر، فقفز القضماني عن ظهرها إلى الأرض وأسند كتفيه إلى جانبها الأيمن ودفعها بكل قوة إلى المنخفض الجانبي ويقال إن أصابع قدميه خرجت من حذائه من شدة الضغط ،وانقلبت المصفحة رأسا على عقب إلى الحفرة الجانبية واشتعلت فيها النيران واستمر يقارع العدو رغم جراحه الأربعة النازفة حمل ابن قريته ابراهيم الجرماني الذي أصيب بالمعركة بجرح بليغ على ظهره ونقله إلى مكان خارج ساحة المعركة ,وعمر القضماني وبلغ الثامنة والثمانين وبقي شامخا كالصفصافة إلى أن رحل إلى ديار الخلد عام 1991 .
الشهيد سليمان العقباني فارس معركة المزرعة
كان في الخامسة والثلاثين من عمره عند إعلان الثورة السورية عام 1925 وفي مقدمة الأبطال الذين خاضوا غمار معركة المزرعة ,يصول ويجول على ظهر جواده بين الجنود الفرنسيين ويضرب بسيفه كل من يلقاه ويقطع جثة المضروب إلى قسمين من كتفه حتى خاصرته,أو يقطع رأسه من العنق ولم يستعمل بندقيته كتب المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته عن الثورة في الصفحة (166) ومن برز في هذه الملحمة وفاق الأقران المرحوم سليمان العقباني من بلدة السجن فكان ينفرد عن المقاتلين ويهز صارمه وينادي ( اشهدوا اشهدوا-اقرؤوا اقرؤوا) ثم يكر على المستعمرين فيضرب الواحد منهم بسيفه ضربة كثيرا ما بترت عنقه أو شقته نصفين ،وقد قتل في هذه الطريقة ثمانية عشر جنديا ولكن القدر نكب البطولة بأعظم رجالاتها فقد أصيب فارس معركة المزرعة في الساعة الأخيرة من يوم القتال عندما كان يتعقب الجنود الفارين على مسافة بعيدة من ساحة المعركة وبرصاصة غادرة أردته قتيلا.
الإخوة من آل علم الدين
وقع اختيار أهالي مدينة السويداء على أحد أفراد أسرة علم الدين المشهورة بالشجاعة وقوة الشكيمة ليكون حاملا لبيرق السويداء، وهو البيرق الأول في الجبل وتوارث آل علم الدين هذا الشرف الرفيع منذ مئات السنين وحافظوا عليه بدمائهم وأرواحهم. ففي الثالث من آب عام 1925 كان مجاهدو السويداء يستحثون الخطا إلى ميدان المعركة في المزرعة لوقف زحف الجيش الفرنسي إلى السويداء، وكان البيرق يخفق فوق رؤوسهم وحامله سليمان علم الدين وإخوته الثلاثة وأثناء المعركة أدرك قائد إحدى الفصائل العدوة أن المعركة تستعر من الذي يحمل البيرق ورفاقه الذين يحيطون به فصوب رصاص مدفعه الرشاش إلى حامل البيرق ،فأصابت رصاصاته سليمان علم الدين ومع دفقة روحه الأخيرة صاح بأخيه خليل البيرق يا خليل فتقدم الأخير وحمل البيرق وهو يهتف لعينيك يا بيرق العلا وسار خطوات إلى الأمام رافعا البيرق ،ولكنه أصيب بطلقة في صدره وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة حمل البيرق أخوه حسين فأصيب كذلك بشظية قنبلة أردته قتيلا، فحمله بعده أخوه أسعد وهو يهتف لبيك يا بيرق الكرامة وتابع هجومه ولكنه أصيب برصاصة من مدفع رشاش فاستشهد مثل إخوته الثلاثة ،ليحمل البيرق من بعدهم ابن عمهم فرحان علم الدين ,البيرق المخضب بدماء الإخوة الأربعة بقي خفاقا مطرزا بالبقع الحمراء التي صبغته دماء حماته وفي يوم واحد احتضن الثرى أربعة إخوة من أبطال آل علم الدين كتبوا تاريخا نضاليا بأحرف من نور ودم.
المجاهد جاد الكريم الحلبي
من مواليد قرية عتيل عام 1888 شارك في معركة المزرعة عام 1925 وأصيب بطلق ناري في كتفه وساقه ، ورغم ذلك تمكن من اعتلاء دبابة فرنسية وقتل قائدها ووجد بداخلها حقيبة مملوءة بالعملة الفرنسية واستطاع ان يستولي على بارودة فرنسية استخدمها في المعركة ، وخلال الثورة السورية الكبرى كان له مشاركات في معارك الكفر واللجاة ووادي الفالوج ، ونظرا لبطولته وشجاعته كلفه القائد العام للثورة السورية الكبرى مع مجموعة من رفاق الثورة بمرافقة المجاهد إبراهيم هنانو إلى الأردن .
فعقيدة مجاهدي الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ،والشيخ صالح العلي ،وإبراهيم هنانو، ويوسف العظمة ،وحسن الخراط وفوزي القاوقجي واحمد مريود ومحمد الاشمر، الراسخة بالانتماء للوطن هي التي استطاعت أن تدحر جيوش الاستعمار الفرنسي وتحبط كل المخططات الاستعمارية التي كان غايتها تقسيم البلاد ليتسنى لها نهب خيراتنا ، واليوم بطولات جيشنا الباسل ودماء شهدائنا الأبرار وتضحيات شعبنا الصامد الصابر، والقيادة الشجاعة لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد تنتصر اليوم على الإرهاب والإرهابيين على امتداد مساحة الوطن وعلى قوى الشر والبغي والعدوان ومن يدور في فلكهم.
رفيق الكفيري
التاريخ: الخميس 18-4-2019
رقم العدد : 16960
