تثير القرف حوارات بعض المهاجرين الذين تركوا البلد يحترق وفروا بجلدهم.. ومن هناك.. من البلد الذي يأويهم ويعطيهم رواتب شهرية يرسلون برسائل الشوق والحنين للشام وياسمين الشام ولجبل قاسيون ولقلعة حلب، ومن ثم يتحدثون عن الغربة وأنهم يناضلون في الغربة من أجل سورية.. وعندما تسأله (حبيبي كيف عم بتناضل؟)
ويرد مزهواً ورأسه يرتفع إلى الأعلى بحيث يشعرك أنه صار نصف أوروبي وأنه يعرف كل مقاهي أوروبا وأرصفتها ومطاعمها وأنه في كل لقاء مع الأجانب أو مع العرب يطرح القضية السورية ويتحدث عن الخراب والدمار وأنه يجابه الكثير من السوريين الذين يشتمون وطنهم مع أن شتيمة الوطن والتنكر له هو بمثابة التعرض لشرفك.. لكن نحن في البلد لا نتوقف عند هذه الصغائر لبعض المعارضين ذوي النفوس الضعيفة والعقول الضيقة. لكن نتوقف عند الذين يتبجحون ويطلقون على أنفسهم اسم (مناضل)
(ولك) مناضل على شو..؟ وكيف؟
هل نمت يوماً بلا كهرباء.. بلا خز؟ توقفت عن الذهاب إلى عملك لأن وسائل النقل متوقفه بسبب المحروقات.؟
هل نام أطفالك يرتجفون من البرد.. لا حطب ولا مازوت ولا كهرباء؟ وهل استيقظت مرة منذ سنوات مذعوراً مرتجفاً وقلبك بين يديك نتيجة القصف العشوائي الذي يمطروننا به كل يوم لدرجة أن المواطن السوري يخرج من بيته ولا يعرف إذا ما كان سيرجع أو لا.. هل جففت الخبز تحسباً لأيام الحصار والجوع القادم؟
وأنت (أيها المناضل في أوروبا) يا من تناضل من أجل سورية.. هل أنت مستعد لأن ترسل ابنك للدفاع عن سورية؟ ليذهب مع الأبطال إلى إدلب أو الحسكة أو تدمر والدير؟
مشتاق إلى سورية؟؟ أكيد أنت مشتاق.. أكيد تحن إلى مرابع الطفولة وإلى الحارات وأشجارها ونوافذها وأبوابها العتيقة.. وربما تتشهى الحلويات الشامية وفواكه الغوطة وبرتقال الساحل.. ولكن الحنين شيء والفعل شيء آخر أيها المناضل الفذ الذي يجلس على المقاهي ويتشاجر مع الذين يتكلمون عن سورية أو يجرحونها.. لكن خذها نصيحة.. لا تجادل السفهاء ولا العملاء ولا المتطرفيين الخونة.. سيغلبونك.. وقد تهزم بالحوار معهم.. لأن لديهم أدواتهم الشيطانية الموصولة بأسيادهم في أميركا والغرب والأنظمة الرجعية العربية.. وإذا ما تعمقت بالحوار وفندت التفاصيل لن يتابعوا معك بل سيعودن إلى البداية دائماً ويدورون فيها وسيقسمون الأيمان المغلظة أن ما حدث كان مطلباً حقاً وأن صراعهم كان سلمياً وهكذا تتوالى الأكاذيب، كأننا في سورية نسينا مجزرة جسر بانياس ونضال جنود الذي (شرحوه حياً في سوق الهال). وقتل الجنود في درعا وأحداث لا تعد ولا تحصى منذ الشهر الأول، مع ذلك (أيها المناضل؟؟) الذي تدعي النضال وأنت جالس في مقاهي الغرب علينا أن نخبرك بأننا غير مهتمين بنضالك ولا بحواراتك التي لن تغير شيئاً لأن المخططات مرسومة وجاهزة والغرب اعترف بنذالته (والشيخ حمد، الصياد المهاوش) اعترف أيضاً بعهره ولا داعي للتكرار فخير الكلام ما قل ودلّ.. وهنا أريد أن أختصر الموضوع وأعلمك.. يعني للعلم.. بأن الشعب السوري المتشبث بأرضه، الذي لم يترك وطنه ويمضي باتجاه خيام الحدود هو الذي يناضل.. وهو الذي يقاوم لأنه يصبر على الحصار والغلاء والفقر والفساد المستشري والأسعار التي لا ضابط لها ولا استقرار.. وهذا الشعب هو الذي يرسل أولاده إلى النضال فيعودوا شهداء أو جرحى أو يستمروا في القتال.. الشعب المزروع كشجر السنديان في أرضه الصابر العنيد هو المناضل الحقيقي.. أما نضالك الكلامي وتبجحك فهذا لن يقدم ولن يؤخر لأنك حتى زيارة للبلد لن تأتي بهذه الظروف الحرجة لأنك جبان وغير مستعد للتخلي عن خبز الغرب والتسكع على أرصفته – أيها المناضل الكبير)
أنت تناضل بالكلام؟
الجيش العربي السوري يناضل بالدم.. يناضل بالروح.. ولقد تعلمنا على مرّ العصور أن الوطن شرف وكرامة ومن يريد أن يحفظ شرفه يدفع دماً وهذا ما فعله الأجداد والآباء وإلا ما كنا احتفلنا بعيد الشهداء.. منذ مئة عام وأكثر وسنظل نحتفل لأن سورية تستحق أن نحميها بصدورنا وليس بكلامنا فقط.. يا حضرة المناضل..!!!
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972