كانت الأسئلة تنهال في كل اتجاه أيام نقل المجموعات الإرهابية المسلحة إلى إدلب، والموافقة على تجميع الإرهابيين في منطقة محدودة المساحة على تماس مباشر مع المعتدي الأردوغاني، الذي تحول مع الوقت إلى ضامن غير ملتزم بضماناته في منصة آستنة، فهل كانت الرؤية صحيحة في هذا السلوك قبل عدة سنوات؟ وهل ثمة مخاوف اليوم أمام استعادة إدلب وتخليصها من الإرهاب عبر عملية عسكرية، تبدو تباشيرها واضحة الدلالات؟
تعددت الرؤى في إصرار سورية على تحديد وجهة الإرهابيين صوب إدلب، وتباينت التقديرات بشأن القدرة على التعامل مع تلك المجاميع الإرهابية في الفترات اللاحقة، فعلى حين رأى البعض صعوبة السيطرة عليهم والقضاء على وجودهم، رأى معظم المحللين والمتابعين أنها كانت من أذكى الخطط والإجراءات التي اتخذتها سورية لتجميع أكبر عدد من الإرهابيين في منطقة محددة، تمهيداً للعملية النهائية في القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره من جميع الأراضي السورية، مع تجنيب المدنيين أكبر قدر من الخسائر في المناطق التي كانوا فيها قبل محاصرتهم في إدلب.
تبدو اليوم المعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي مقدمة أولى للتقدم نحو إدلب، بعدما تراجعت كل الآمال باحتمالات التوصل إلى توافق يجنب محافظة إدلب ذاتها عواقب مواجهة عسكرية، يبدو أنه لا بد منها بعد سيطرة جبهة النصرة الإرهابية على معظم مساحة هذه المحافظة، وهو ما يمثل مرحلة خطيرة لأردوغان، الذي يغير شكل توظيف المجموعات الإرهابية من خلال إطلاقه يد هيئة تحرير الشام الإرهابية للسيطرة على مناطق وجود مجموعات مماثلة، كانت تعلن ارتباطها بتركيا وأجهزتها الاستخباراتية مباشرة، لتبدأ مرحلة شديدة التعقيد، لم تترك أي مجال لفرصة دولية كان يتم طرحها في أيام سابقة.
لقد أعطت سورية أكثر من فرصة لوساطات سياسية تبعد اللجوء إلى الخيار العسكري، لكنها فشلت أمام عدم التزام الضامن التركي دوماً، وهنا يرى البعض أن القوات المسلحة السورية أعطت تركيا فرصة كبيرة منذ منتصف تشرين الأول الماضي، عندما اتضح أن تركيا لم تنفذ شيئاً من اتفاق سوتشي بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب، القاضي بسحب الأسلحة الثقيلة من المجموعات المسلحة قبل منتصف تشرين الأول الماضي، وما تلاه من توسع سيطرة هيئة تحرير الشام على معظم أراضي المحافظة.
ويأتي اليوم الذي انتهت معه كل الاحتمالات الدبلوماسية والسياسية، ليبقى الخيار العسكري وحيداً في التعامل مع تلك المجموعات الإرهابية، الأمر الذي سيمهد الطريق لملاحقة فلول الإرهابيين في مناطق أخرى مثل ريف حلب الشمالي الغربي وريف اللاذقية الشمالي، وصولاً إلى المحافظات الشرقية في الجزيرة السورية، التي تنتظر مواجهات قد تتشابه أو تختلف عما سيحدث في إدلب.
وستكون معركة إدلب برهاناً جديداً على الحكمة والتروي المدروس الذي مارسته سورية في تنويع أشكال المواجهة مع الإرهابيين وفق ظروف الزمان والمكان، ولن يطول الزمن، لنرى الاعترافات بتلك الحقائق.
مصطفى المقداد
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976