بعد صدور ديوانها الأول «امرأة من نار» تحتفتي الشاعرة هناء يزبك بتوقيع ديوانها الثاني ويقع الديوان في مائة وأربع صفحات من القطع المتوسط ويضم بين دفتيه تسعاً وتسعين قصيدة خرجت بكتاب مفرط بالأناقة والبهاء بما يليق بقصائدها ونقرأ في ديوانها نصوصاً وطنية وغزلية وإنسانية واجتماعية ولها ديوان ثالث قيد الطباعة عنونته «حروف مبللة» وخصصت ريع ديوانها الثاني لأبناء الشهداء.
الأستاذ في كلية الآداب قسم الأدب العربي بجامعة البعث الدكتور وليد العرفي رأى أنه لدى الوقوف عند عنوان الديوان نجد الشاعرة تفاجئ المتلقي بشفافيتها عندما تقول على ضفاف الشغف فيتبادر إلى الذهن ضفاف النهر والساقية لافتاً بأن العنوان حمل جمالية الشعر بذكاء وحرفية متسائلاً عن كيفية جعلها تلتقط جمالية اللغة من خلال ما أوتيت من ملكة شعرية وموهبة ربما تكون نادرة وفيما لو تم إجراء رسم خط بياني بين ديوانها الأول «امرأة من نار» والثاني «على شواطئ الشغف» نجد خطاً متنامياً من حيث الصور البيانية لافتاً إلى ما وجده في ديوانها الثاني من سمات أسلوبية وكانت الأولى خاصية الشعور بالحواس فالأذن لديها تشم والعين تسمع واللسان رطب بعذوبة الكلمات وحلاوتها ظهرت في دلالات النص لديها.
وعلينا أن نفهم كيف يكون القميص من عنبر وأشجار النخيل حزينة مبيناً بأنها حاولت تجسيد المادة بالمعنى وإعطاء جمالية لكل الأشياء ومارست هيمنة على الذائقة الجمالية فقدمت نصاً مختلفاً تفردت به في شعر، وخاصة الشعر النسائي واعتبر الدكتور العرفي أن التكرار لديها لم يحمل الطابع السلبي إنما وجود الإنسان والطبيعة عبارة عن عملية إطلاق لأشياء موجودة دعمتها بصدق في التعبير.
أما الناقد الدكتور نزيه بدور فتحدث بأنه يحمل قصائد من نمط الشعر التقليدي العمودي المحافظ يجمع بين سلاسة وجزالة في الوقت ذاته انموذجاً للشعر القديم شكلاً وبنية والحديث مضموناً وصوراً وبياناً ففي قصيدة «رفيف الندى» تقول فيها:
فكيف لا يرفض القلب
أن يبدد حنينه حلماً آخر
وإن شيد أبراجه من خيوط المطر
وجنح إلى غيمة يصنعها شموساً في يميني
ويعلن قيامه الورد أقماراً في يساري
الدكتور بدور يرى بأن تجربتها تذكره بيبكاسو ورسمه للوحات كلاسيكية تقليدية ثم رسم التكعيبية وأتبعها بلوحات أخرى متمردة على كل أسس التشريح وقوانين اللوحة الواقعية فظهرت لديها تطوراً في الرؤيا الشعرية بقصائدها سالكة مسارات متوازية حيناً ومتقاطعة في أخرى ومتمثلة في خطي الحياة والموت والرجاء والتمني فقصيدتها بعنوان «شارع العشاق» تقول:
وحيدة يبللني الغياب
في شارع العشاق شهقت نوافذه
يوم تعثرت بأنفاسنا
وتلونت أرصفته حين مسها عطرنا
بسطنا ضحكاتنا أمام عيونها غيماً
يغسل الحزن عن أهدابها
بينما رأى الشاعر رفعت ديب بأنه عندما حاول مقاربة شعرها والتجول في عوالمه الفسيحة والملونة تهيب الولوج ووقف أمامه جدار من الخوف لأن عالم الشاعرة له محاذيره وصعوباته ليس لأنه شعر نسائي بامتياز فحسب بل لما يحتويه من صور شعرية مكثفة ومدهشة سبرت أغوار السكون لتبني رؤياها من أسارير اللحظة وزنبق الإحساس مشبهاً ديوانها وكأنه وليد أفرطت في دلاله ولكن بقراءة متأنية أكثر وجد فيه بلاغة سحر الجمال وخصوبة الخيال وقوافيه أنغام تجري في شرايين الكلمات وتتراقص أغنية على إيقاع الشفق ويحتوي بيانه على شلالات نور تغتسل بالعطور في مهرجان الشمس فتعري ألفاظه من إثم المدنيات لترتدي ثوباً نسجته شاعرة بخيوط الشمس الدافئة فكان حضور ديوانها صمتا وصمته عنفوان.
رفاه الدروبي
التاريخ: الأربعاء 15-5-2019
الرقم: 16978