لم تسلم حلب من لوثة الثأر والانتقام الذي يسيطر على رعاة الإرهاب وأدواتهم ومرتزقتهم ممن تورمت أحقادهم وضغائنهم على هذه المدينة الباسلة بعد فشلهم فيها وهي التي قاومتهم ولفظت وحشيتهم وظلامهم ولم تنكسر أو تسقط أو تتحول إلى لقمة سائغة بين أنيابهم، بالرغم من كل ما أصاب أبناءها في السنوات التي سبقت تحريرها، وهو ما جعلها على الدوام في دائرة الاستهداف من قبلهم ومن قبل مشغليهم، ممن يجهدون اليوم عبر استهداف أحيائها الآمنة بقذائف الحقد وصواريخ الكراهية والانتقام إلى تشتيت انتباه الجيش العربي السوري عن المعارك البطولية التي يخوضها في أرياف حماة وإدلب لتطهير هذه المناطق من الإرهابيين.
ينطوي الاستهداف الجديد لمدينة حلب وتحديداً مخيم النيرب وبعض المناطق المدنية الأخرى، على رسائل تصعيد واضحة ومكشوفة، منها ما هو ميداني ومنها ما هو سياسي، ففي الشق العسكري، يبدو هدف ذلك التصعيد الإرهابي واضحا جدا، ويتمثل بمحاولة فك الطوق عن الإرهابيين الذين باتوا محاصرين من قبل الجيش العربي السوري في أرياف حماة وإدلب، ولاسيما في محيط مدينة إدلب التي يتجمع فيها الحشد الأكبر من إرهابيي جبهة النصرة المدعومين من قبل النظام التركي، وهذا ما ينقلنا إلى الشق السياسي في ضوء المعلومات والأخبار المتواترة عن اتصالات أجراها رأس النظام التركي مع موسكو لتخفيف الضغط عن التنظيمات الإرهابية المتواجدة في إدلب ومحيطها وخاصة التي تأتمر بأوامره، وفي هذا الإطار ذكرت مصادر إعلامية أن النظام التركي طالب بضرورة الإسراع والتحرك لوقف العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري في إدلب وحماة فوراً ليتلاقى مع الأصوات الغربية النشاز التي دأبت في تصريحاتها على محاولة حماية الإرهابيين من المصير الذي ينتظرهم.
نداءات واستغاثات النظام التركي لإنقاذ إرهابييه تفضح مجددا الدور التركي في دعم وحماية أولئك الإرهابيين، ليس هذا فحسب بل تفضح أدواره وأطماعه في الجغرافيا السورية، وهذا ما يضرب بعرض الحائط كل التعهدات والالتزامات التي تعهد بتنفيذها هذا النظام أمام شركاء مسار آستنة أي موسكو وطهران.
لكن هذا الضجيج التركي لم يفلح في تغيير مسار وهدف المعركة الأساسي وهو تحرير هذه المنطقة واستعادتها لحضن الدولة السورية كما يوضح مسار آستنة واتفاق سوتشي، وفي سياق العملية العسكرية الدائرة في أرياف حماة وإدلب، أصبح محيط بلدة الحويز وأطرافها الجنوبية تحت سيطرة الجيش وذلك بعد سيطرته على بلدتَي الحمرا والمهاجرين ومنطقة «المطار الشراعي»، في حين بقيت الأحياء الشمالية الغربية الملاصقة لبلدة الحرية تحت سيطرة التنظيمات الارهابية تنتظر الالتحاق بباقي المناطق المحررة، يأتي ذلك في ظل مواصلة الجيش لعمليته العسكرية على هذا المحور حتى تحرير المناطق التي تتبع نواحي قلعة المضيق وشطحا والزيارة، حيث أبلت قوات المدفعية والصواريخ المتمركزة إضافة لسلاح الجو بلاء حسناً في استهداف طلائع المجموعات الارهابية وتحركاتها وخطوط إمدادها في غرب جبل الزاوية بالريف الادلبي.
ويبدو من وتيرة المعركة أن الهدف الأساسي هو تحرير منطقة خفض التصعيد التي كان النظام التركي مكلفاً بإخلائها من السلاح الثقيل والإرهابيين حسب اتفاق سوتشي حيث تنتشر التنظيمات الارهابية الأشد تطرفاً ورفضاً لأي عمل سياسي يمهد لإخراجهم منها، وذلك قبل الإصغاء أو التجاوب مع أي استغاثات تركية هدفها وقف العملية والحفاظ ما أمكن على ما تبقى من إرهابيين يعملون وفق الأجندة التركية.
كما يبدو من سير العملية العسكرية أن قرى وبلدات الهبيط وعابدين ومعرة النعمان بريف إدلب الجنوبي ستكون هدفا لتحرك الجيش وعملياته في هذه المرحلة نظراً لما تحتويه من أوكار ومقرات وتجمعات للإرهابيين وقياداتهم وغرف عملياتهم كخط دفاع أول لهم عن مدينة إدلب، وفي هذا الإطار نفذت وحدات من الجيش سلسلة ضربات على مواقع ومقرات لإرهابيي تنظيم جبهة النصرة في قرى شير مغار والعنكاوي والزيارة وقسطون بريف حماة الشمالي ما أسفر عن تدمير نقاط محصنة في عمق منطقة انتشار الإرهابيين والقضاء على عدد منهم، كما دمرت وحدات من الجيش أوكارا لإرهابيي (جبهة النصرة) في قريتي جسر بيت الراس والحويز وجبل شحشبو بريف حماة وفي جسر الشغور وحيش وخان شيخون والهبيط بريف إدلب الجنوبي.
يذكر أن التنظيمات الإرهابية المنتشرة بريف حلب الغربي والجنوبي الغربي تقوم بمؤازرة المجموعات الارهابية المنتشرة في ريفي حماة وإدلب عن طريق الاعتداء على الأحياء المدنية في حلب، في تأكيد على عجزها عن المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش وتنفيس أحقادها عبر الانتقام من المدنيين، وتشير المعطيات إلى أن أغلب الجماعات الارهابية في الريف الغربي والجنوبي الغربي لمحافظة حلب تتبع في أغلبها لتنظيم جبهة النصرة وتعتمد في إرهابها على الدعم والتمويل الذي يوفره لها النظام التركي.
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 17-5-2019
رقم العدد : 16980