ملحق ثقافي-سلام الفاضل:
قد لا تكون فتاة غسان شاعرة من ذلك النوع الذي لقي شهرة وقدم تجديداً بالمعنى المتعارف عليه، لكن فاطمة سليمان الأحمد الشاعرة التي لقبت بفتاة غسان، كانت شاعرة من نوع مختلف، فهي ابنة الفقيه والشاعر، والأديب، وعضو مجمع اللغة العربية، الشيخ سليمان الأحمد. وأخوها بدوي الجبل الشاعر الذي لا يشق له غبار، واقترنت بأحد الفقهاء والأدباء الذين تتلمذوا على أبيها، فأنجبت شاعراً له صولات وجولات، هو الشاعر محمد كامل صالح.
تنوعت أغراض شعر فاطمة سليمان الأحمد، فكانت شاعرة تتحدث عن الذات والهموم؛ تتحدث عن الزوج والأسرة؛ تنظم شعرها وتنظم عواطفها في قصائد مميزة، وقد اختارت ندوة الأربعاء الشهرية الذي يضم هذا الكتاب الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب فعاليتها، والذي يحمل عنوان (فتاة غسان… “فاطمة سليمان الأحمد” شاعرة من دوحة الشعر الأصيل)، إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، ونزيه الخوري، اختارت الاحتفاء بهذه الشاعرة المجيدة لما تمثله من أنموذج للمرأة السورية في حقبة كان العلم فيها حكراً على الرجال.
نظرات في شعرها
في هذه الورقة التي قدمها د. محمد عبد الله قاسم تناول فيها عرض بعض الملامح التي ميزت شعر فتاة غسان، وبعض الأسس التي ارتكزت عليها الشاعرة في بناء شعرها، فالطبيعة الحية كانت معلماً استمدت منه الشاعرة مفرداتها وصورها، والبيت الذي ترعرعت فيه وأتاح لها حرية التعبير شجعها على القول، ورعاها أي رعاية، فشبت فاطمة سليمان الأحمد امرأة تدعو في شعرها إلى نهضة المرأة العربية، داعية إلى تخليصها من براثن التخلف وأنياب الجهل عبر تحصينها بالعلم والثقافة. كما أنها توجهت في أشعارها إلى الشباب لإيمانها بأن أولئك الفتية الناشئين هم من سيخلص الوطن من الجهل والطائفية التي تمزق الجسد وتشرخ في بنيانه، وسيكون لهم قصب السبق في إلحاقه بركب الشعوب المتحضرة. والوطن الذي هو مهوى الفؤاد وشرفة الروح، فقد أعلنت فتاة غسان في أكثر من قصيدة عن إعجابها بالماضي والتراث، ولكن دون التقوقع فيه، أو الاستسلام له، بل الاطلاع عليه، لاستخلاص العبر منه، واتخاذه سبيلاً إلى بناء مستقبل زاهر.
تأثير البيئة
والورقة التي قدمها المهندس أسامة ديب حفيد الشاعرة تعرضت في ثناياها إلى ذكر أثر البيئة في شعر فتاة غسان، وما كان لوالد الشاعرة الشيخ سليمان الأحمد من دور مهم في صقل موهبتها، وتطوير أدواتها الإبداعية، الأمر الذي دفع بالشاعرة إلى تشرب أفكار والدها بنهم شديد، فوقفت مثله بحزم ضد الجهل والتفرقة الطائفية، ودعت إلى التسامح بين أبناء الوطن الواحد، ونبذ العصبيات، والعودة إلى القيم الإنسانية للأديان جميعها.
وفتاة غسان على الرغم من عدم ذهابها إلى مدرسة قط، إلا أن والدها فسح أمامها المجال رحباً لتنهب من مكتبته، فاطلعت على كتب التراث واللغة والمترجمات التي كانت متوافرة آنذاك، فأسرتها تلك الأفكار التي كانت مرتبطة بالحرية والعدالة والمساواة بين الناس، ولمست بإحساس الفنان المرهف التناقض الكبير بين تلك الأفكار السامية والواقع المعيش، فاختارت بداية في قصائدها الوجدانية ذات النزعة الرومانسية الهروب من حالة الصدام المباشر مع قيم الواقع السائدة آنذاك والتي لم تكن لتنسجم مع آرائها وأفكارها، لتدخل في حالة البحث الدؤوب عن صور جمالية غاية في الروعة مستمدة من الطبيعة مثلت بالنسبة إلى الشاعرة النقيض المباشر للواقع المشوه. وحين بدأت فتاة غسان تتلمس طرقاً جديدة، وتطرح على نفسها جملة من التساؤلات التي فرضتها التحولات المجتمعية التي كانت تجري آنذاك، فالعزلة التي مثلت في البدايات حالة الهروب من الواقع بدأت تتحول تدريجياً إلى إحساس بوحدة الإنسان وإدراك عميق لهذه الوحدة رغم انفصالها عن العالم واغترابها عنه.
شاعرة سبقت عصرها
أما الدكتور جهاد بكفلوني فقد تحدث في ورقته عن بعض السمات العامة التي تظهر في شعر فتاة غسان كالجزالة، والفصاحة؛ فإن الناظر لشعر هذه الشاعرة المجيد يجد فيه تدفقاً للصور والأفكار والمعاني التي استطاعت خلع معاطف من اللغة الجزلة عليها.
فالشاعرة فاطمة سليمان الأحمد تتلمذت على يد أبيها الشيخ الجليل سليمان الأحمد، وقد استوعبت – وهي الطالبة النجيبة في مدرسة أبيها – ما زودها به الأب الشيخ الجليل من حقائق، فاجتهدت في بناء قصر منيف حجارته ألفاظ متآلفة متناغمة، وجدرانه معان سرية ثرية، وحدائقه صور بديعة يرفدها خيال الشاعرة بكل ما يخلب اللب ويأسر القلب ويفتن العين.
أسرة العلم
وتناول د. إسماعيل مروة في ورقته الحديث عن طيب العلاقة الوطيدة التي تجمعه مع أسرة العلم (آل الأحمد)، مؤكداً أنه لا يستطيع أن يمر أمام علم هذه العائلة الكريمة مروراً عادياً، بل إنه يقف باحترام أمام ما قدمته من علم متنوع إن كان للرجال، أو للنساء، وإن كان في مجال الأدب، أو الطب، أو العلم. فالعلم في هذه العائلة انتقل من كابر إلى كابر، فالشيخ شاعر وفقيه وأديب، والبدوي شاعر لا يشق له غبار، وأديب، وفتاة غسان شاعرة إصلاحية وأم رؤوم ومثال للتربية.
يقع الكتاب في 111 صفحة، ويضم في ختامه مختارات من أعمال فتاة غسان.
التاريخ 21-5-2019
رقم العدد:16982