كان القدماء يقولون: الليل أستر وأخفى، وهو الليل الذي يبدو عند امريء القيس كموج البحر، لايمكن أن يهدأ أو يحد، ولكنه عند إبراهيم ناجي ليل آثام لصبح متاب، وهو القائل: دوارة كعهدها من ليل آثام لصبح متاب.
ولليل حبره الذي ينبع من قلب كل واحد منا، من الألم أو الأمل، من الليل إلى الفجر النقي، جبران خليل جبران كان يقول إن فجره لم ولن يأتي قبل أن يلم ليله فهذا الكون على اتساعه ضاق به وهذه الحيرة الكبرى، كون بلا حدود يضيق بقلب ملء الفضاء الأرحب، بنفس فيها انطوى العالم الأكبر.
وماذا بعد في هذا لليل المحبر بسواد الواقع النهاري، هل تغسله الحكايا التي لم تعد شجرة التوت في القرى القصية والنائية، لم يعد الرجال يجتمعون في أي ركن من أركان الفيء ليرووا قصصا عن البطولات والشجاعة وإغاثة الملهوف، ولا الأمهات يروين حكايا الحطب من أعماق الوديان، ولا جرار الماء تملأ مع هزيع الفجر الأول، ولا خبز التنور مبذول لكل عابر سبيل..
الليل صار حبرا بلا ورق، في مهب الريح على كثبان الرمل، مع الشوك القاسي القاسي، لم يعد في القلب متسع لخبر يأتي على حين غرة، حكايا الليل التي لونت أيامنا من شهرزاد إلى أن كان هذا الضخ الهائل من الفضاء، التيه الأزرق الذي لم يغرق غيرنا نحن المندهشين بكل شيء يأتي من الغرب، وجدراننا ليست بتلك الصلابة التي كنا نريدها، حبر الليل حكاياه، قصصه رواياته، ما في القائمة من أسماء تنسج عالما مختلفا، على الأرض ومن طهر سورية حكايا هي الأساطير عطاء وفداء، شهامة وبطولة، وأقسم لولا القليل من الصفحات النظيفة في هذا العالم الافتراضي لبقيت طي الكتمان، غريب أمرنا، نحن السوريين، نصنع مجدا للعالم كله، ونخبئه، نتركه طي زوايا النسيان، شهداؤنا، عمالنا، جيشنا، أطفالنا، أبناؤنا، يومنا، غدنا، كل ما يسري في عروقنا يجب أن يروي يحدث، يكتب هذه الملاحم، ما بالنا جعلنا ليلنا رفيق ما لا يرافق..؟
في مناهجنا، صحفنا، كتبنا، نصوص مبدعينا، كل بقعة حبر، كل حكاية تروى ليلا، يجب أن يكون الدم الطهر الحر بهيا حاضرا جليا، من قال إننا لولا هم نعيش لحظتنا، ما بالنا اليوم ننام ملء الجفون وهم ينامون في جفن الردى يبستمون للموت شغفا بحياة أنقى وأفضل لسورية..
ونجعل حكايا التخريف هنا وهناك رفيقة الليل، ترى ماذا لو خصصنا جزءا من نهارنا، ليلنا وسائل إعلامنا لحكايا النقاء والشرف، ماذا وماذا، لن أقول ليل كموج البحر، لا ليلنا في عتمته شعت كواكب ارتقت، وحبره من دم طهور يشع ويشع، وقد حان وقت الاتقاد.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 24-5-2019
الرقم: 16985