(وهم) عنوان عريض لمجموعة شعرية صدرت للشاعر أنور الجندي عن دار بعل للطباعة والنشر والتوزيع ب119 صفحة من القطع المتوسط .
تضمنت المجموعة عدداً من القصائد المتنوعة التي خطّ من خلالها الجندي عبارات عفوية, جذابة, دافئة, تخللها بعض التساؤلات المحمومة والتي هي عبارة عن محاكاة للإنسان والحياة .
في قصيدة (أناديك) يرسم الجندي صوره الفنية بإبداع ملحوظ, لتسمو الكلمات عالياً من حيث الشكل والصياغة والأسلوب, ومن حيث المضمون يتجلى المعنى وعمقه ومدى تأثيره في حياته ومكابداته فيقول:
مالي أناديك ولاتجيبي؟ أطاب لك الثرى أم طبتِ للثرى
ماخلاّك تجيبي ؟ يامعطرة يا كلّ المعاطير
يانوراً يشعُ من دجن الليل
أأطفئت ثريات السماء؟ أم .. صرن فيك أدناناً من خمور
سكرت بك السماء فأهدت.. إلينا لظى الأشواق أعاصير
يا ألف أغنية وألف هوى… ياتبراً يطيب ذكره في الأساطير
بحق طفولتنا ما الذي رابكِ منّا؟
وبعبارات صيغت بعصارة روح, يكتب الجندي مايختلج في داخله من أتون اللوعة, فهي تكسرات داخلية عبّر من خلالها صاحب ديوان (كبرت متمرداً) بجمالية كبيرة جعلت القارئ يشعر بتنهدات الحرف فيقول:
سرقتنا الحرب من ذاتنا .. بدّدت لنا بوحنا
بدلت مشاعرنا … جعلت من حشرجاتنا أنيناً وسعال
عَجزنا دفعة واحدة .. وهرمنا دفعة واحدة
كَبُرَ فجأة صغيرنا حذراً من الجدران
خائفاً من إبهام الأفكار ؟؟ خائفاً من البرد والنار
طائعاً كلّ المستجدات .. مستسلماً لآهات الموسيقا
نابذاً حزنه بالأشعار .
أما في قصيدة (على حد الأمل) فنجد الشاعر يكتب بهمّة الفتى الشجاع الذي لايردعه الخوف, فهو المؤمن أن الفجر قادم, وأن الحياة مرهونة بالأمل المشرق .
أمام لهيب المدفأة أحرقت أفكاري .. فتلّوت قصائدي العاجفات
غادرنني حزيناتٍ يلطمن سوادي…قررت أن أدفن في الرماد آهاتي
وأفرغ قلبي من الآهات
وفاح عطر أفكار جديدة تراقصت .. كأنما نسيم الصبا غازل الوردات
كيف للإنسان أن يشتهي الحزن في الحياة
مرهونة هذه الحياة بالآمال .
ورغم طول الطريق لكنه مازال يحلم .. إنسانيته مازالت شابة, وجميلة, ترنو إلى الأعالي, وأشعاره صالحة النبت يتملكها جمال التعبير , لم يستطع إخفاء همّه في معظم القصائد, فبوحه عَبَر ممرات الصمت ليعلن المشاركة في نصوصه المملوءة بالاهتياج الروحي فقال:
الاتجاه واحد لاغير نحو تلك البقعة الظلماء
ولكني أصرّ على السير بعكس الاتجاه
أصرّ على الوقوف في مكان جديد
لم يدنسه أحد بعد ولم يلق شاعر فيه شعراً
أريد جسداً خالياً من بصمات الزمن .. من العثارات المبعثرة
افتح عينيه مثلاً نحو أفق بعيد
أتركه يسير عارياً بلا أي فكرة .. وأدون ُ ملاحظاتي.
لاشك أن القارئ للمجموعة يجدها مكثقفة, وتشتمل على الأمل والحب والإنسانية, تتحرك في مساحة حزن, لكن يقابلها عِناد على بلوغ الغاية … فيقول :
حين تكون فقيراً تُصاب بالبهتان قوافيك
وحين لاتقاوم .. يغسل المطر معانيك
أشعارك ليست من صنعك ولاصنيعتك
أشعارك من صّناع الأرقِ في لياليك
أغلق عينيك وقت الضجيج وأطبق الجفن ونم
فربما الأحلام التي تغادرك بعد نومك تأتيك
لاتشكو إلى اللذائذ أن تدركك من لجّ التهاتيك .
ولاتخلو المجموعة من الحب الذي غلفه الجندي بمفردات عذبة كانت الأقرب إلى القلب من الأذن … فهو يكتب ليثبت أن لابد للكلمة أن تعلو على ذاتها, وأن تزخر بأكثر مماتعنيه .. وأن تشير إلى أكثر مما تقول :
كنت يا أجمل امرأة قبل أن أراكِ
مثل الصبار أو مثل المحار
لا أرض تأويني ولابحار ترويني
ولكني أريد طلباُ صغيراً
أن لاتدعيني في الصباح بلا أسرٍ
لربما شمخ نحو السماء جبيني
وبقي هناك يبحث عنك فبأي
مَصحٍ عقلي سوف عشقي يرميني .
وجاء على الغلاف:
رُدّ منك حبي .. فأنا مقتولة من جفاك
ماجفّ دمعي يوماً هياماً إليك أما كفاك ؟
لاتجبني فأنا كاذبة
أرجوك لاترد حبي إلي فكيف أغدو بلاك ؟
يكفيني أن أحبك ولايهمني أن تحبني
يكفيني منك كي أهنأ بعيشي أن تكرهني
يكفيني أن تصرخ في وجهي
يكفيني أن تناديني ولن ألبي مبتغاك
يكفيني لدفئي جمر هذا الحب
ويكفيني أن أبقى أمامك مسافات بعيدة .. أو أبقى وراك .
عمار النعمة
التاريخ: الجمعة 7-6-2019
الرقم: 16996